أسْرعَ الجميعُ ـ كِبارًا وصِغارًا ـ نَحوَ ذلكَ الصُّندوقِ، وأخذَ كلٌّ منهم مكانه، فقد آنَ أوان تناول الجُرْعَةِ الجديدةِ من ذلكَ السُّم الغريبِ، سُم لا يُشرَب ولا يُؤكَل ولا يُحقن في الوَريدِ، إنَّما يتسرَّبُ بهدوءٍ إلى قنواتِ الفكرِ والوجدان فيُسمِّم الأفكار ويُلوِّث المشاعر!
تَغلغله الهادئ حَماه من مُقاومَةٍ أو انتباهةِ غافلٍ، وتكرار تناول الجُرعة بانتظام جعلَ طعمه المُر مُستساغا بل مَطلوبا..!
"المسلسلات المدبلجة" وحُلَّة جديدة أكثر قربًا وحَميميَّة: فاللَّهجة معروفة مُحبّبة، والملامح مألوفة، والأسماء عربيَّـة أصيلة، وشيء من المعاني الدينيَّـة غلَّفَ زُجاجة السُّم ببريق خَادِع !
سادَ صمتٌ يُشبه صمتنا العربي، فالكلّ مشغول بمتابعةِ أحداثِ المُسلسَل، وما آلت إليه أحوال القلوب المُتعبة التي أضناها الهَجر وأرَّقها الحَنين !
عندما طلبت مني الاستاذة "غ. خير الله" -المجازة في الإدب الانكليزي والتي تدرس الآن الماستر في مقارنة اللغات في مدريد- أن أدلي بدلوي في قضية البحث عن جذور بعض المصطلحات الخاصة بكلمة "الحب" المستعملة في اللغة العربية ، ومقارنتها بجذورها في بعض لغات الثقافة الغربية ، فتحت أمامي في واقع الأمر بابا واسعاً وهاماً لدخول هذا العالم شبه المغلق أمام الكتابة الجادة ، والبحوث العلمية ، والمخاضات السياسية الاجتماعية ، إذ وجدت كما ذكرت في الحلقة السابقة فرصة ذهبية للكتابة في موضوع "الحب" !!
لا أعرف من الذي اخترع واخترق واختلق فكرة أنّ النساء لا يبحن بأعمارهن، إذ أراه مخطئا حدَّ الفداحة. وكي أعبر عن ذلك عمليا، فإني لا أخجل ولا أتوجّل أن أعلن أنه في هذا الخميس، الخامس والعشرين من فبراير 2010 أبلغ التاسعة والعشرين، وبهذا يفصلني عن الكهولة عام واحد، فالكهل في العربية –صدقوا أو لا تصدقوا- هو من كان بين الثلاثين (أو الثالثة والثلاثين في بعض المعاجم) والخمسين.
اليوم أيضا يفصلني عام عن ما يسميه المجتمع بالـ"عنوسة"، ورغم ذلك لا أجد أية غضاضة في التصريح بعمري. ف ماذا حدث حين صرت على مشارف الجسر المؤدي إلى الثلاثين؟ هل سأموت قبل أجلي؟ هل نقص من رزقي شيء؟ هل حدث لي شيء غير الذي كتبه الله لي؟ أبدا، فلم التهويل والإفراط في التخوف من التقدم في العمر؟
لاحَظتُ عنايتها الفائقة بكفَّـيْها والأصابع، فسألتها ـ على استحياء ـ ذات مساء: ما سـرّ هذه العناية؟ هل تعانين مِن "الأكزيما" ـ لا قـدَّر الله؟
لم تستطع كل مهرجانات الدعاية الإعلامية ، في شرق الأرض وغربها أن تحملني على الخوض في موضوع "عيد الحب" هذا القادم إلينا خلال أيام ، والذي لايخرج عن كونه مظاهرة اقتصادية ، اخترعتها المراكز التجارية الكبرى لترويج البضائع بعد انقضاء موسم "رخص رأس السنة وأعياد الميلاد" ، ليستمر المستهلك في مزاولة العادة الأجمل لدى التجار وهي الإنفاق والإنفاق والإنفاق ، موسما وراء موسم ، وعيدا بعد عيد ، ومناسبة بعد مناسبة .
أرجو ألا تنتفض أخي القارئ لتكتب إلى مصححا الخطأ الشنيع الوارد في الآية في عنوان المقالة، فأنا –للأسف- أعني العنوان كما كتبته. خرجت للتو من نوبة تلوث بصري-عقلي، إذ جلست أتأمل في أحد الأماكن التجارية، فرأيت اللحوم والشحوم تُعرض عيانا بيانا، وإن أدري أين الحمقى الذين يدّعون أن العالم مقبل على أزمة لحوم وبروتين! رأيت ألبسة عجيبة، تبحث عن أية مناسبة لتنضو نفسها، ألبسة لا تضيق إلا عند السوءات التي يفترض بها أن تسترها. ترى، هل أصابت الانتقائية والهوائية الألبسة، فصارت تعرّي بدل أن تواري؟
الصفحة 17 من 53