وإن كانت مجتمعاتنا تشجع المرأة على الخنوع والصمت والتسليم وترى أنه هذا من موجبات الرقة والأنوثة، فإن للإسلام وجهة نظر مختلفة تماما! فيما يلي صحابيات فهمن دينهن جيدا، فهمن أن الإسلام لا يقبل بأن يتعرضن لظلم، ولا يقبل أن يصمتن بحجة أن هذا يليق بالمرأة. وإن كان المثل الفرنسي يقول: "كوني جميلة واصمتي"، فإن هؤلاء النسوة قلبن الطاولة على هذا المثل، وكن هن أمثلة تصدح بمثل جديد: كوني حرّة، وتكلمي!
المرأة التي جادلت، فأنزلت سورة!
امرأة وقفت تجادل النبي -صلى الله عليه وسلم- وتحاوره، امرأة جسور وذات إصرار. يجيبها النبي –صلى الله عليه وسلم- بأن ما فعله زوجها مباح وأن عرف العرب يقرّه، وأن لا حكم شرعي يحرّم ذلك. فلا تنصرف كما يفترض البعض، بل تجادله وتطالبه بحل مشكلتها وتشتكي إلى الله حالها. ترى، ماذا لو حدث هذا في زماننا؟ أما كان القوم أهدروا دمها، أو وصفوها بالوقاحة وسلاطة اللسان؟
ماذا حدث لهذه المرأة التي لم تتزحزح عن حقها في إيجاد حد لظُلامتها؟ نصرها الله بأن أنزل سورة كاملة تحل مشكلتها وتنزل الحكم الشرعي والعقوبة بحق زوجها ومن يعمل عمله، وكرمها بأن سمّى السورة باسم ما فعلته "سورة المجادِلة"! وجدلها هذا جدل محمود ممدوح، و"إنّ لصاحب الحق مقالا" كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم. وسَمّى الله هذا الجدل بالمحاورة {... والله يسمع تحاوركما ...}. خولة بنت ثعلبة امرأة عادية لا نفوذ لها ولا سلطان سوى شعورها بالظلم، وشعورها الأعمق من ذلك بعدالة الله المطلقة. لم تصمت حينما قيل لها أن الشرع صمت عن المسألة، بل أخذت تطالب حتى نزل الحكم الشرعي من فوق سبع سماوات.
ماذا نفعل ونحن في عصر وقف فيه الوحي؟ لا تتوقعن أن تجدن حلا لكل مظالمكن في الشريعة، فهناك ما سُكت عنه وترك لتطور المجتمع كي يحله ويغيره. قفن كما وقفت خولة رضي الله عنها تتحاور وتجادل إلى أن نالت مرادها. لم تنل خولة انتصارا لنفسها، بل استصدرت حكما شرعيا تنتفع به النساء وينتفع به المجتمع ويتطور إلى يوم الدين. آه، كم في ميزانك أيتها الشجاعة؟
تقول الكاتبة والباحثة في التاريخ "لوريل ألريك" "النساء المهذبات نادرا ما يدخلن التاريخ". النساء الخاضعات، الساكتات، السابحات مع التيار نادرا ما يدخلن التاريخ، نادرا ما يُكتبن في التاريخ، ونادرا ما يكتبنه أيضا. خولة بنت ثعلبة، أنت امرأة كتبت جزءًا من تاريخ ديننا، فلتكتبي ولتذكري إلى يوم الدين. بك سأباهيهم، بك سأفتخر.
زكي نجيب محمود أحد أبرز الفلاسفة العرب في القرن العشرين، وأحد أبرز رواد ما سمي بالوضعية المنطقية، التيار الفلسفي الذي حمل لواء فكره العديد من الفلاسفة المعروفين، مثل: رسل، رايشنباخ، وايتهيد، حلقة فينا الفلسفية، ... إلخ. والشائع عن الدكتور زكي أن الاتجاه العلمي والعقلاني والوضعي هو الطابع السائد في فلسفته، في حين لا تتم الإشارة إلى توافره على رؤية دينية إسلامية مبنية على أسس علمية تخللت فلسفته، وهو ما نحاول حالياً الكشف عنه من خلال تحليل كتابه المهم، والموسوم ب: "رؤية إسلامية". واقتباساتنا لأفكار د. زكي نجيب أدناه هي حصراً من هذا الكتاب، ولذلك سيتم الاقتصار على هذه الإشارة رغبة في الإيجاز.
يفتتح زكي كتابه المذكور (ط 2، دار الشروق، 1993 م)، بطرح تساؤل مركزي، ولعل الانشغال بالاجابة على هذا السؤال هي التي دفعته إلى كتابة ما يزيد على ثلاثمائة صفحة من أجل الاجابة عنه. وهذا السؤال هو: ما الذي أصاب العالم الاسلامي، فتخلف حتى أصبح في آخر الركب الحضاري في هذا العصر، بعد أن كان قائداً ورائداً؟ دوائر الانتماء الثلاثة التي يتحرك في داخلها د. زكي بحسب ما يشير هي (الدائرة المصرية)، لأنه مصري، و(الدائرة العربية)، لأنه عربي، والثالثة (دائرة العالم الاسلامي) الذي ينتمي إليه.
وقف الثلاثة أمام محكمة التاريخ: الماضي الحاضر والمستقبل.
قال الماضي:
جئت أشكو إليكم مما ألقاه من ازدراء من كل من الحاضر والمستقبل, فهما ينظران إلي نظرة ازدراء دونية ويدّعون بأنها ليست سوى بعض الأسف على ما أضعته من وقت وبأنني لم أكن قد أحسنت استغلال الوقت والفرص لسنوات طوال... أنا أعترض على ذلك كما أنني أرفض مثل ذلك التعاطف الذي هو برأي ليس سوى شكل من أشكال عدم التقدير ومن الازدراء., فهما يزدرياني لأنهما يعتبران أن أفكاري متحجّرة جامدة, وكل ما أسمعهما يقولانه:
" انقضى عصره !انتهى دوره في هذا العالم !.."
فهل نسيا بأن من ليس له ماضِ لن يكون له أي حاضر ولن يكون له أيضاً أي مستقبل!؟.. هل عَميت بصيرتهما عن الانجازات التي حققها العلماء في عصري ؟ وبأنني من فتح أمامهما آفاق العلم وسُبل التطوّر؟ من الذي اخترع الأبجدية الأولى؟ ومن الذي اخترع الكهرباء و الذرّة ؟ من الذي وضع الأسس لمختلف العلوم التي أصبحت اللبنة لما يستفيدون منه الآن ؟ من الذي اكتشف المجرّات التي يحاولون الوصول إليها الآن؟ من الذي اكتشف أسرار ومعالم الكون الذي يعيشون فيه ؟ من؟... ومن...؟ ومن؟..
مدرسة الحياة تقدم لنا دروساً مجانية كثيرة لا تحصى ، وقليل منا يتعلم من هذه الدروس الملقاة على طرقات الحياة وجنبات الواقع، ويستفيد منها بممارساته اليومية ، أما الآخرون فيقعون بنفس الأخطاء مرارا وتكرار ، ثم يشتكون من سوء المعيشة وفساد العلاقات.
من خلال أعمالي وعلاقاتي وأنشطتي المتنوعة محليا وخارجيا، وكذلك من خلال قراءاتي واحتكاكي بشخصيات متميزة في هذه الحياة تعلمت أن العطاء أروع قيمة، ليس لها بديل وتعويض في قيم ومفردات هذا الزمن، وذلك يعتمد على الترجمة العقلية لهذا المفهوم الواسع ، البعض يربط معنى العطاء بالجانب المادي فقط ، أي عطاء نقود أو أدوات ملموسة لمن يحتاجها، والبعض الآخر يرى أن العطاء للفقراء والمحتاجين فحسب، وفئة أخرى تظن أن العطاء لا يأتي إلا من الكبير إلى الصغير، وثلة من الناس يرون العطاء لا بد أ ن يكون دون مقابل وأنا أختلف معهم بهذه الجزئية ، وهلم جرا من تفاسير تختلف حسب المجتمعات والبيئات والثقافات .
لا لن أستظرف وأقول لكم أني كنت أقصد أن القراءة ليست مهمة بل هي ضرورية. لا، لن أقول لكم هذا لأني -وببساطة- أعتقد بأن ما وراء القراءة له ذات القدر من الأهمية. منذ عقود ونحن نلوك الشعارات حول أهمية القراءة لأمة ناهضة، ونتشدق بماضينا الزاخر العامر بالمكتبات وتقدير الكتب، لكن -وبكل صدق ومكاشفة- ما نفعله فاشل جدا وسمج! ويبدو أننا نعوض عن ثقافتنا المفرطة في الشفاهية بالنظر إلى القراءة على أنها المخلص الفادي لمشاكلنا. إنها الشماعة الإيجابية، شيء يشبه نظرية المؤامرة لكن بالمقلوب. فكما أن المؤامرة هي سبب كل مشاكلنا وإخفاقاتنا، فإن القراءة هي الدواء السحري الشافي من كل الأمراض، والمخلصة من كل المشاكل.
أعرف الكثيرين من القراء النهومين الذين يقرؤون كتبا "جيدة"، ورغم ذلك لا أكاد ألاحظ فرقا يطرأ عليهم على مدى الزمن. قد يقول قائل أن متعة القراءة تكفى، وأن صيانتها المرء عن نشاطات غير نافعة أو مدمرة كاف جدا. لكن لماذا نرضى بالفتات وهناك وليمة؟ يقول قانون "باريتو" (يسمى أيضا بقاعدة 80:20) أن 20% من الجهد يمكن أن يعطينا 80% من الثمار، لكني أرى هذه القاعدة الثمينة معكوسة تماما لدى الكثير من القراء.
إنّ الحديث عن جامعة الدول العربية ذو شجون وأشجان. بداية فهذه الجامعة لم تكن في الحقيقة إلا من بنات أفكار الاستعمار البريطاني الذي فرضها على الأنظمة العربية آنذاك كبديل مسخ لمؤسسة وحدة عربية قومية حقيقية. ليس تجنيًا عليها ولا خروجًا عن جادة الصواب القول بأنها كرست روح الاستقلالية في إطار سيادات قطرية ضيقة مستقلة عن بعضها ضمن حدود مصطنعة باركتها هذه الأنظمة، وعملت على الحفاظ عليها والدفاع عنها، وخاضت على شرفها نزاعات وصراعات مع من يفترض أنهم أشقاء وأبناء جلدة واحدة ويؤمنون بالوحدة العربية الكبرى.
وإذا كان هذا هو فحوى الأسس التي قامت عليها، فإن سجلها الأدائي والإنجازي دليل آخر على عقمها وافتقارها إلى أبسط بسائط العمل القومي على اعتبار أنها البيت العربي الذي تحت سقفه وفي أحضانه تعقد المؤتمرات والإجتماعات واللقاءات والمشاورات العربية، وقبل هذا وذاك فإنه يفترض بها أن تكون "مصنعا" لمشروعات قومية ذات رصيد من الإرادة والنوايا الصادقة لتوظيفها على أرض الواقع العربي.
الصفحة 87 من 432