ورقة قدمتها الكاتبة حياة الياقوت في الحلقة النقاشية التي عقدتها مجلة الوعي الإسلامي، الاثنين 24 ذو القعدة 1431 الموافق 1 نوفمبر 2010 حول "أسباب العزوف عن النقد والأدب"، بمشاركة كل من: د. محمد إقبال عروي، والشيخ طلال العامر، والكاتب أمين حميد عبد الجبار، والكاتبة حياة الياقوت.
بداية، جئت هنا محمّلة بكثير من التحايا، وواجب عليّ إيصالها:
- النبطي، والملحون، والزجل يحييونكم جميعا. ويخبرونكم أنهم في خير خير حال.
- أما "روايات عبير"، و"روايات أحلام"، وبقية القصص الرومانسية للجيب، والروايات المعربة-المهرّبة فتقرئكم وافر السلام وتقول لكم بالمناسبة "الكمية محدودة، احجز نسختك الآن".
الأدب يا قوم في صحة وعافية وبحبوحة، حتى أن وزنه ازداد مؤخرا بضعة كيلوغرامات! :)
هذه كانت مقدمة واجبة، لنعرف أن المعضلة ليست معضلة أدب، بقدر ما هي معضلة يواجهها صنف معين من الأدب. مصائب ومصاعب الأدب الفصيح، الأدب "الملتزم" –على العمومية المزعجة لهذه الكلمة- هذه المصائب ينظر لها فرع آخر من الأدب باستغراب وهو يرفل بثياب الصحة ويحمل صولجان المجد.
* * * * *
قررت لجنة المتابعة العربية في اجتماعها الذي عقدته يوم الأربعاء المصادف الخامس عشر من شهر كانون الأول/ديسمبر وقف المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة الأميركية بين الفلسطينيين وإسرائيل، كونها تشكل مضيعة للوقت. في نفس الوقت أصدرت تعليماتها للسفراء العرب في الأمم المتحدة بطلب عقد اجتماع لمجلس الأمن للنظر في موضوع الإستيطان.
لقد عللت لجنة المتابعة العربية توجهها هذا وطلبها بأن إسرائيل قد قضت على أي أمل للتوصل إلى تسوية سلمية، وأن الوسيط الأميركي الذي يعمل وفق ما تمليه عليه إدارة البيت الأبيض قد تخلى عن تعهداته. بمعنى أدق فشل واشنطون في وقف الإستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.
القراءة والقراءة النوعية:
ما فتئ المسلمون يردّدون بافتخار أن أوّل كلمة أوحى الله بها إلى الرسول – صلى الله عليه وسلّم- هي: "اقرأ" وأن ذلك يدلّ على مكانة العلم في الإسلام ويدحض افتراءات الخصوم حول التناقض بين الدين والعلم، ثم يسردون آيات وأحاديث تشيد بالعلم وأهله، وكل هذا جميل لكنه يبقى أقرب إلى التشبّع الذاتي الأجوف بل والخدعة النفسيّة الّتي تجعل أمة تراوح مكانها – بل تتراجع - وهي تظنّ أنّها ترضي ربّها لأنّها تعتزّ بآية أنزلها! إن حالنا مع العلم لا يحتاج إلى شرح لوضوحه وإنّما يستلزم العلاج، ومشكلتنا مع العلم معقّدة، ولعلّ أوّل خيوط التعقيد أن المصلح ليس أمام معضلة تعليم من لا يعرف ولكنّه يواجه طامة كبرى هي إقناعه أنّه لا يعرف، وقد انتشرت الأميّة الفكريّة – فضلاً عن الأميّة ذاتها- حتّى عمّت الجامعات والمعاهد وشملت حملة الشهادات العليا إلاّ قليلاً من المؤسّسات الراقيّة والعلماء الراسخين في كل التخصّصات، ولك أن تقرأ ما ينشر من كتب ومقالات وما يلقى من خطب ودروس ومحاضرات لتتأكّد من هذه الحقيقة، ذلك أن التوجيه الرباني الأول الّذي لم يشر إلى أي عبادة أو خلق أو سلوك بل أشار إلى مفتاح العلم إنّما يقصد القراءة الجيّدة الّتي تؤدّي إلى تحصيل المعرفة الجيّدة، لكنّنا مازلنا نقرأ كثيراً مما لا ينفعنا ولا ينهض بمستوانا العقليّ، فلا بدّ إذاً من الارتقاء بنوعية ما نقرأ حتّى نتحصّل على القراءة المثمرة الّتي تزيد رصيدنا من المفاهيم المتعلّقة بحسن الفهم عن الله ورسوله من جهة والنهوض الحضاري من جهة أخرى، أي يجب علينا أن نوسّع قاعدة الفهم وتحسين إمكانات التفكير لتمهيد الطريق السليم للاجتهاد والإبداع ، وهو ما يتيح الانفتاح على الجديد والمغاير من الأفكار والفلسفات.
نظرا لاحتكاكي الوطيد بالساحة الجامعية، وتواصلي الكبير مع الطالبات بشكل خاص، ونظرا لقربي منهن وعملي معهن بعدة مشاريع وأنشطة، أحببت أن أتحدث عن أنماط وشخصيات بنات المرحلة الجامعية بشكل عام ، باختلاف الجامعات الحكومية أو الخاصة في الكويت.
وقبل الشروع في التفاصيل أحب أن أنوه أن حديثي في السطور المقبلة عن الطالبات الجامعيات بهذا العصر، وليس عن أي فتاة بنفس مراحلهن العمرية، لأن هناك شتان ما بين طالبة في المدرجات الدراسية وبيئتها اليومية وأخرى موظفة أو ربة منزل.
هذه الطالبة تحب المشاركة الانتخابية والانضمام إلى القوائم الطلابية، وبعد اكتسابها للخبرات العملية نرى تطوراتها سريعة، فتقود الفرق وتقسم المهام وتعلم الحديثات مهارات العمل النقابي وأهميته، لديها فكر وتسعى لنشره وهدفها واضح، وغالبا تحب مساعدة الأخريات والأخذ بيدهن، وتسعى لتحقيق أكبر قدر من الأعمال لها وللآخرين
تحب البهرجة الانتخابية، وتريد أن تنضم لأي قائمة حتى يقال أنها مع (الشلة) الفلانية، تعشق الأنشطة الترفيهية والتجمعات الكبيرة، لا تميل إلى الدورات التثقيفية أو أي نشاط جاد، مشكلتها أنها (مع الخيل ياشقرا) ، ولهذا نجدها كثيرة التنقل بين القوائم ، كثيرة التغير في القناعات، غالبا تسبب المشاكل وتحب الظهور.
لايخفى على المشتغلين بالسياسة والتاريخ أمران ، أولهما : أن تلك الدول التي نأت بنفسها عن دخول الحربين العالميتين ، اشتغلت ببناء قوتها وعمرانها واقتصادها ، وقد فعلت ذلك عن طريق صناعة الأسلحة وبيعها لأولئك المتحاربين ، وثانيهما : أن الحرب الباردة التي كانت تدور بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وحلفائها ، كانت "باردة" فقط في أرضهما، بينما كانت تستَعِر حمماً وناراً فوق رؤوس بقية شعوب العالم ، من الذين استخدمتهم هاتين القوتين أحجار شطرنج على رُقَع نفوذها ، تُحركهم كيف تشاء بأجهزتها الفعالة في التحكم عن بعد بمصائر الذين يسمحون لها بالتحكم في مصائرهم!.
ويبدو أن الأزمة الاقتصادية المزلزلة التي تعاني منها اليوم الأنظمة الاستعمارية الرأسمالية الديمقراطية ، استدعت ضرورة العودة إلى سياساتها القديمة ، والتي على رأسها إشعال فتيل الحروب "الغبية" بين الشعوب "الغبية" ، بهدف تشغيل مصانع أسلحتها لتبيعها لهؤلاء المتناوشين ، لتشغيل فئة من عاطليها عن العمل ، واستدرار أموال هذه الدول التي لايتورع بعض قادتها في زمن الأزمات المزلزلة عن إبرام صفقات أسلحة تساوي ميزانية استنقاذ دولة كإيرلندة من الكساد والدمار!! ، وشغل هذه الشعوب ببعضها أيام الجوع والقهر ، فضلا عن استعادة سيطرتها المباشرة على مصادر الطاقة وأسواق الاستهلاك باسترجاع امتيازاتها الاستعمارية القديمة من خلال "قادة" مستعدون لبيع كل شيء في سبيل الكرسي!.
في حياة الشاعر الراحل عمر بهاء الدين الأميري محطّات وعلاقات بالغة الأهمية، تمتدّ على امتداد عمره الذي أمضاه متنقلاً بين المشارق والمغارب مغترباً عن وطنه، ممعناً في التماهي بقضايا أمته ودينه.
ولقد كان من أبرز الذين التقاهم الأميري في مقتبل حياته، وهو يزور دولة "باكستان" أول مرة أواخر الأربعينيّات، الشاعر والسياسي والزّعيم اليمني محمد محمود الزّبيري، الذي كان قد غادر بلده إثر فشل الثورة على حكم الأئمة، وسقوط حكم الدستوريين، ولم يجد سوى الباكستان مكاناً يتوارى فيه، فحضر إليها سنة 1948 م.، وكان لقاء الأميري به أول مرّة على هامش الاجتماع الأول لمؤتمر للعالم الإسلامي الذي انعقد في كراتشي عام 1949 م.، وكان الزّبيري وقتذاك يعيش حياة قاسية، ويسكن ـ كما روى الأميري ـ "عشة دجاج على سطح بيت تاجر بحريني في كراتشي، ويقتات بفضلات الخبز التي تفيض من الفنادق وتباع طعاماً للطيور والحيوانات"! ولقد جهد الأميري فور أن تعرّف عليه فأقنع إدارة المؤتمر باعتماد الزّبيري ممثلاً لليمن فيه، وشاركه الغرفة التي خصصت له، وتوثقت العلاقة بينهما، فلما عاد إليها سفيراً ازدادت الصلة، وتوثقت أواصر المحبّة بينهما[1]؛ يقول الأميري: "عرفته في باكستان وعرفت منه ما لم أجده قط عند سواه، من طهر وعفّة وأبوّة وبساطة عيش ورضا نفس بالكفاف، وبذل سخيّ في مجالات الخير والجهاد..[2]"؛ ويضيف في حديث آخر: "لما التقينا كانت الدقائق الأولى كافية لأن تمحو معنى الزمن بيننا، وأن توطّد أخوّتنا في الله من الأعماق التي بدأ فيها تلاقينا الفكري والإيماني والجهادي.. وكان الودّ والانسجام والتلاؤم في كثير من الأذواق والأشواق والآفاق يتأكد ويتوطد بيننا تلقائياً خلال ذلك دون أن نشعر.. وكأننا نشأنا معاً منذ نعومة الأظفار، أو كأنّ عمر هذه الصلة بيننا عمر الآلام والآمال في حياة أمتنا وعقيدتنا ورسالتنا.. فكانت أيام وجودي في باكستان لحضور الدورة الأولى لمؤتمر العالم الإسلامي بداية انطلاقة الحياة بيننا، والتي أؤكد بعقلي وقلبي أنها ما تزال موصولة رغم أنه استشهد وانتقل إلى الرفيق الأعلى منذ 19 عاماً، ولكنه حيّ في حقيقته، وفي إشعاعاته في نفسي..[3]".
الصفحة 111 من 432