منذ سنوات أواسط القرن العشرين المنصرم، وهي السنوات التي بدأ العالم العربي بالإستقلال عن كل من بريطانيا وفرنسا، لم تشهد الأمة العربية تغييرا جذريا في هيكلية مؤسساتها. لقد كان التغيير شكليا، وبخاصة فيما يتعلق بالمؤسسات السياسية، وتحديدا الأنظمة السياسية.
تحت ظلال هذه الأنظمة العربية السياسية، عاش المواطن العربي زاحفا لاهثا وراء تحصيل لقمة عيشه، وحبة الدواء لمريضه، وقسط من التعليم لأبنائه الذين قدر لهم أن يتعلموا، وأما أولئك الذين لم يكتب لهم أن يتعلموا، وهم كثر، فظلوا رهينة الجهل والأمية والفقر المدقع.
إلا أن منظومة لقمة العيش، وحبة الدواء، وهذا القسط من التعليم، وارتفاع مستوى البطالة التي تنتمي إلى الوضع الإقتصادي السائد في معظم أقطار العالم العربي باستثناء القلة، ليست هي الحدود التي تنتهي عندها مشكلات العالم العربي والإنسان العربي. ثمة مشكلات سياسية خطيرة هي الأخرى، لا تقل خطورة عن المنظومة آنفة الذكر.
إن الغيبوبة السياسية العربية قد انتهت. لقد عاد الوعي وتغلغلت روح تونس في النفس العربية. إن الطغاة ترتجف منهم الركب في كل أنحاء الوطن العربي من أقصاة إلى أقصاه. وليس العرب فقط الذين تتم مراجعة أولوياتهم والتفكير في مستقبلهم . ولكن أيضا الكيان الصهيوني ، بعد أن نخر عظام الأنظمة ودبت الفرقة بين الأشقاء، الآن يحق له أن يقلق من الصحوة العربية.
فما الذي حدث؟ ولماذا يحدث؟ وما هي الظروف الموضوعية التي أدت وتؤدي وستؤدي لمثل هذه الثورات؟ وفيما يلي وصف للظروف التي يحتمل أن تخلق بيئة مواتية لمثل هذه الثورات الشعبية.
أولا وقبل كل شيء هي الظروف الاقتصادية السيئة التي تعيشها وتعاني منها معظم الشعوب العربية إن لم يكن كلها. في عصرنا هذا الشرط من السهل الوفاء به. هناك مناطق كثيرة من العالم حيث الاقتصادات الراكدة، مرتهنة من قبل المنظمات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، غير قادرة على إطعام الأعداد المتزايدة من السكان، والأهم من ذلك ، غير قادرة على توظيف الأعداد المتزايدة من الشباب، بما في ذلك المتعلمين من الطبقة الوسطى تعليما عاليا. وفي عصر الاتصالات الفورية في جميع أنحاء العالم، لا أحد يعتقد حقا أن مثل هذه الظروف هي الأمور التي تسود وتنتشر. لقد كان محمد البوعزيزي، الشاب الذي، من خلال فعل التضحية بالنفس، أشعل الثورة التي أسقطت دكتاتور تونس، والاستجابة لسنوات من الإحباط الاقتصادي.
1- الحرية والكرامة: يجب أن يكون المواطن كامل الحرية والكرامة في وطنه، ولا يتأتى ذلك سوى بإلغاء النظام الرئاسي، وإعطاء الرئيس دورًا تشريفيًا هامشيأ كما هو الحال في لبنان وإيطاليا وألمانيا. وانتخاب الرئيس من قبل مجلس الشعب المنتخب. وتكون كل السلطات لرئيس الوزراء المنتخب بالأكثرية من قبل مجلس الشعب. وانتخابات مجلس الشعب يجب أن تكون نزيهة ودقيقة وشفافة وتحت إشراف قضائي ومجتمعي كامل.
2- تأكيد الهوية العربية الأسلامية: فلا مجال بعد الآن لتضييع عمر الأمة والحيرة في الهوية بين العلمانمية والفرعونية والأفريقية أو المتوسطية. فنحن شعب عربي واللغة العربية مقدسة ويجب تفرض على كل صعيد في الدولة. وتتم إنشاء هيئة كبرى فعالة لنقل أكبر كم من الانتاج العلمي والأدبي العالمي للغة العربية أول بأول. كما أننا شعب مسلم نريد حكومة مدنية كاملة بمرجعية إسلامية بحيث لا تكون فيها أية قوانين تتعارض مع الشريعة الأسلامية.
تمهيد :
قد تستغرب عزيزي القارىء حين تقرأ هذا المقال ووجه الاستغراب يكمن فيما يلي :
- القيمة المضافة مفهوم اقتصادي ابتدعه علماء الاقتصاد أمثال " كارل ماركس وميلتون فريدمان وغيرهما الكثير فما ارتباطه بالإنسان المسلم والإسلام كدين .
- مكارم الأخلاق : مفهوم يكاد يكون غائبا في العصر الذي نعيشه والذي يتسم بطغيان المادية وسيادة مفهوم الفردية وتضخم الأنا عند الفرد على حساب الجماعة .
وقد يزول ذلك الاستغراب بمجرد تدبرك للحديث الشريف المتفق عليه حيث ورد عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قوله الشريف :
- عن مالك انه قد بلغه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعثت لأتمم حسن الأخلاق (فهرس أبو داود – حديث رقم1609 )
إن من مفارقات التاريخ الصارخة، أنه لايعود إلى الوراء، وإن مايحصل في مصر اليوم، هو معركة لاتخص مصر قطعًا، إنها معركة الأمة كلها، بكل فئاتها القومية وانتماءاتها الدينية ومكوناتها الفكرية وحساسياتها الحزبية، إنها معركة أحرار العالم مع النظام العالمي الجاثم على صدور البشر، يقتل ويذبح ويقصف ويقمع في مكان، ويغسل العقول ويتلاعب بالرأي العام في مكان آخر.
إن مايجري في مصر في هذه الساعات الرهيبة، ليس مجرد معركة مابين شعب مغلوب على أمره ونظام عميل انكشفت للعالم كله عمالته وخيانته ونزوله عند رغبة العدو الصهيوني فحسب، ولكنها قمة الاستعلاء والنفاق والخديعة، إنها مناورات الولايات المتحدة وأتباعها في عالم الغرب الذي يظن أنه استولى على دفة إدارة الأشياء في هذا العالم، من خلال أبشع سياسات الكذب والتمويه والتشويه، والضحك على الشعوب ! لايمكننا إلا أن نكون على شبه يقين بأن الولايات المتحدة هي التي أوعزت للرئيس بأن لايترك منصبه، وأن لاينزل عند رغبة الشعب، وأن يتمسك النظام بكراسيه ومواقعه، بينما تخرج هي على الشعب بمظهر المساعد المشفق الذي يدعم مطالبه في التغيير، وبهذا تحوز على ولاء الشعب، وتنفذ سياساتها الصهيونية في مصر، وتظهر مبارك وكأنه رجل قوي يستطيع أن يقف في وجه امريكا! إن الرئيس المصري فاقد الثقة من قبل شعبه، ليس هو النظام، إنه رجل مريض بطيء الفهم والإدراك، قد تجاوز الثمانين من العمر ولايكاد يستطيع الوقوف على قدميه كما تظهره الصور، ومهما يكن الأمر، فإن مبارك ليس وحده الذي اتخذ القرارات الإجرامية، لقمع ثورة شعبه، وتمريغ أنف بلده في الوحول، إن هذه القرارات كانت قد اتُخذت في تل أبيب وبعض أروقة واشنطن، لأن هذه الجهات كما يبدو هي المتنفذة في البلد، والمستفيدة الأولى والأخيرة مما يجري، وهو يجري أمام ذهول الجميع بموقف الجيش المصري المتفرج، الجيش المصري أمريكي التمويل والتجهيز، وربما التوجيه، والذي سيكتب عنه التاريخ، وهو يؤرخ لهذه الموقعة العظمى، بأنه الجيش الذي خدع شعبه واستغل طيبته ومصداقيته، ولم يحميه في ساعة العسرة.
يا أحسن الناس خَلقاً وخُلقاً
محمد يا مصطفى يا خير البشر
وجهك يا حبيب مستدير .. كالبدر او كقطعة من قمر
أبيض جميل .. إلى حمرة يميل .. كلون الورود والزهر
يا ناعم الخدين .. يا أكحل العينين .. لشوقي لك قلبي قد انفطر
الصفحة 108 من 432