يقال أنّ لكلٍ من اسمه نصيب، و كان لـ"خيال" من ذلك نصيب وافر.
كانت تتدرّع وتتذرع بقول عالم الفيزياء آينشتاين أن" الخيال أهم من المعرفة" لتبرر شرودها الدائم وأحلام اليقظة التي ترافقها كظلها. ولا ندري حقيقةً هل هذا نتيجة لمرحلة المراهقة التي تمر بها، أم أنه طيف اسمها يلاحقها ويرمي عليها بعباءته، أم هو سوء إدارتها لحياتها. لكن ما نعلمه يقينًا عن خيال هو أنها لا تعلم الكثير عن نظريات آينشتاين سوى تلك المقولة التي حفظتها عن ظهر قلب لتتخلص بها من إلحاحات والديها وشقيقها التوأم يُوسُف.
فراسة :
كان الشاب يسرع الخطى وهو يدخن سيجارة تجاور حمرة لهبها شفتيه ويتأبط قنينة خمر رخيص متجها نحو ماخور تنادي من نوافذه المومسات على المارة كما ينادي الباعة المتجولون على الزبناء حينما أوقفته كلمات شيخ تعلو ملامحه علامات دراسة الفراسة:
- "أراك وحيدا ومدمنا ومبتلى!"
الباب يطرق.. الأم تنادي افتحوا الباب إنها طرقات أبيكم المعتادة
تنطلق البنت الصغرى كالسهم
تفتح الباب وترتمي بحضن والدها الذي انحنى لها بصعوبة
أهلا ياصغيرتي
فتبادره بسؤال فوري الم تقل إنك ذاهب لتصلي العصر في المسجد القريب فلماذا تأخرت إذا ؟أمي أعدت الشاي والكعك ونحن ننتظرك
فقال لها يمازحها اسف ولن افعلها ثانية ؟
يقف أمام المرآة، يهتم بترتيب هندامه وتمشيط شعره، قبل أن يقذفه الهم نحو رحلة مملوءة بالتعب والمعاناة...هذا يومه الخامس منذ عودته من " دبـي "...لم ينم جيدا سوى ساعتين فقط..ليودع بذلك أيام الراحة والهدوء...بل آذاه انقطاع الكهرباء وأصوات الرصاص ...أشعلت القذائف سماء بغداد... لتشتعل في داخله نيران الأرق...يبتلعه الظلام الدامس ...يدثره السواد...ويزيد خوفه وحشة المكان.
الصفحة 14 من 43