تشكل الثقافة بعدا من الأبعاد المنغرسة في الذوات الانسانية ومنطلقا من منطلقات التفكير البشري، ويعد الأنثروبولوجي البريطاني "السير ادوارد بيرنت تايلور ( (1832-1917 أول من قدم معنى محددا، واضحا وبسيطا لمصطلح "الثقافة" في كتابة الصادر سنة 1871 ،والمعنون ب "الثقافة البدائية"، من حيث هي " الكل المركب الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والأعراف والقدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الانسان باعتباره عضوا في المجتمع"1 .
إذا انطلقنا من التساؤل التالي: ما هو المجتمع المدني؟ فالجواب يظل ضبابيا، لأن الأمر يتعلق بمفهوم مرن /مرتبك، ويصبح بدون معنى في حالة حصره في تعريف دقيق وموحد، خاصة عندما نرصد التطورات المتلاحقة التي ما فتئت تعرفها المجتمعات المتسمة بحضور فعال وملفت للتنظيمات المدنية لدرجة أصبحنا اليوم نعيش في عصر"مدني" بامتياز. إلا أن الإحتفاء بهذه "المدنية" المفرطة، عليه في المقابل، أن ألا يحجم عنا "زئبقية" سمات وحربائية عناصر تحديد أهم المفاهيم المرتبطة بهذه "المدنية"، وهو مفهوم المجتمع المدني، والذي بقدر مايعري بالضرورة ، عن وهنه "الإبستيمي"، فإنه على النقيض من ذلك، يكشف وبقوة، عن زخمه التأويلي، بالنظر أساسا للطابع الإشكالي الذي يتميز به كمفهوم ملتبس وشائك. الشيء الذي سيساهم لامحالة في بروز العديد من العوائق الابستيمولوجية والصعوبات الفكرية، التي تظل تواجه الباحث عند تعامله مع هذا المفهوم، ومنها(1):
*غموض التأصيل النظري لمفهوم المجتمع المدني، وذلك على الرغم من شيوع استخدامه، وأنه لم يحدث تأصيل نظري للمفهوم من حيث تعريفه وضبطه وتحديد متغيراته، مما يفرز العديد من النتائج السلبية: الانتقالية في نقل المفهوم، والتحيز في استخدامه، والمبالغة في قيمته.
* الاختلاف في تكييف طبيعة مفهوم المجتمع المدني. فالبعض يستخدمه في مقابل الدولة، اذ يرى أن المجتمع المدنـي يحد من سلطتها ويحمي الأفراد من تعسفها، والبعض يستخدمه كمقابل للدين، بحيث يجب فصل الدين عـن الدولة، أي إعلان مبادئ العلمنة كأحد المدخلات الذي لامحيد عنها لبناء المجتمع المدني بمعناه الحقيقي، وآخرون يقيمون تمييزا بين "المجتمع المدني" و"المجتمع الأهلي". وهناك من يستخدم لفظ "المدني" في مقابل عبارات على شاكلة "العسكري" أو"السياسي". وهذا مرده أساسا، انعدام التحديــد الدقيق للمفهوم وعدم ثبات معناه، والذي أضحى مع مرور الوقت أكثر ضبابية و" حمالا لأوجه" .
إن الإشكالية التيمولوجية لمصطلح " جمعية" تجعل من الصعب إعطاء مفهوم دقيق ومحدد للسياق النوعي للجمعية، وبالتالي تعريفها دون اللجوء إلى قراءة متعددة تتأرجح بين اللفظ اللغوي والمفهوم العلمي. قراءة تجعله مفهوما "حربائيا" يتلون حسب الثقافات والمرجعيات، ويأخذ دلالاته حسب المنظور الذي يتناول عبره. ومن هذا المنطلق المتذبذب يمكن إبراز بعض السياقات التي يعالج في إطارها مفهوم الجمعية:
سياق التفاوض: تبرز قوة الجمعية من خلال التفاوض، وعبره تتمكن من "بيع" مشروعها أو جزءا من هذا المشروع الذي يختلف في سياقاته ويتميز عن مختلف "المنتوجات"، خاصة في علاقاته المتفق عليها مع السلطات العمومية، والتي تفرض على الجمعية التفكير في الدخــول ضمن منطق التوافق أكثر من اللجوء إلى منطق الاتفاق، وبالتالي إبراز رهان التفاوض بيــن الشريكين: الجمعية والسلطة العمومية(1). وهو مافتئ يتضح من خلال تبني مبادئ المشاركة والتشارك والشراكة، والتي تدخل كلها في اطار "تعاقد اجتماعي مدني جديد" يرفع من مساهمة الجميع في بناء وطن يسع الجميع . هذا البناء الذي تتوطد دعائمه من خلال حرص الجمعيات ككيانات مؤسساتية حرة، مستقلة وتطوعية على الرفع من المستمر والمتواصل للقدرات التمكينية التي تتوفر لدى الطاقات الحية داخل المجتمع، من أجل تحقيق المبتغى المنشود والمطمح المأمول في تكريس تنمية شاملة مندمجة ومستدامة .
مقدمة:
ما بعد الحداثة تيار فكري نشأ في الأصل وفي كثير من جوانبه ردة فعل لـ "الحداثة". وما بعد الحداثة يصعب إيجاد تعريف دقيق لها. والسبب في ذلك أن ما بعد الحداثة مفهوم فضفاض وغامض، فهناك صور متعددة من ما بعد الحداثة. فهي تتدرج من الموقف الرافض للغلو العقلاني الوضعي ورفض الاضطهاد الذي تمارسه الثقافة الغربية بآيديولوجيتها العلمية إلى أن تصل إلى ما بعد الحداثة المتطرفة الثورية العدمية العبثية التي تدعو للثورة على العقل والعقلانية من أساسهما وتصل إلى التشكيك حتى في البدهيات. مما حدا بأنصارها إلى الكف عن توضيح ما هي "ما بعد الحداثة" والانصراف بدلا من ذلك إلى توضيح ما ترفضه ما بعد الحداثة. ولكن باختصار يمكن أن تعرف الحداثة بأنها اتجاه فكري، يضم خليطا من التيارات، يجمعها رفض الأسس الأنتولوجية (أي الخاصة بطبيعة الوجود) والمعرفية والمنهجية التي قامت عليها الحداثة أو على الأقل يجعلها محل شك.
تتزايد – بشكل ملحوظ- الدعوات إلى النضال المستمر والمتواصل من أجل تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة كلما حل تاريخ اليوم العالمي للمرأة، ويحتدم النقاش ويشتد الجدال حول الطرف الحقيق والحري بهذا النضال، والاختلاف في ذلك بين الميل إلى انخراط الرجال إلى جانب النساء في هذه "المعركة" النضالية، أو تركهن يواجهن تنكر الرجال وظلمهم ومجافاتهم واعتبار النساء مخلوقات أعارهن الشيطان عقله، والنظر إلى المرأة باعتبارها مجرد موضوع لا ترقى إلى أن تكون ذاتا تكافئ ذات الرجل وتقف بإزائها.
كان ومازال المجتمع المدني هو السلطة المضادة التي تراقب وبصرامة مطلقة تجاوزات الدولة وشططها، هو المتنـوع والمتعدد، هو الذي يسمح دوما وفي اطار دوره التمكيني، بانبثاق نخب جديدة "صاعدة" و"فاعلة"(خاصة في الدول السائرة في طريق النمو)، هو الذي يراقب المسؤوليات ويقوم الاختلالات ، وهو الذي يخلق النقاش حول المواضيع الراهنة ويحفز المواطنين على المشاركة وبإيجابية في تدبير الشأن العام والمساهمة بالتالي في ترسيخ أسس الديمقراطية.
إن المجتمع المدني بكل هاته الحمولة الابستيمولوجية، لابد وأن يتسم بمجموعة من الخصائص تعتبر بمثابة عناصر مترابطة ومتداخلة تعبر عن حقائق مفهوم المجتمع المدني وجوهره، ويمكن إجمالها فيما يلي: التطوع، الاستقلالية، القدرة على التكيف، التجانس، التعقد، التكوين المؤسسي القائم على معايير الانجاز، الغاية أو الدور.
فالتطوع مثلا، يتجسد في تلك الرغبة العارمة والمنغرسة في نفوس الأفراد في الانضمام الى المؤسسات "المدنية"، بكل ارادة و طواعية، وذلك اقتناعا منهـم بقدراتهم وقدرات هذه المؤسسات على التعبير الفعال عن طموحاتهم والاستجابة الناجعة لمطالبهم . بحيث يكون التطوع هنا هـو المجهود الذي يقوم به الفرد بصفة اختيارية عن طريق المساهمة كيفما كان شكلها (عمل، علم، رأي، تمويل أو غير ذلك مما يخدم المجتمع) ويبقى أبرز شكل يتجسد فيه التطوع هو ما يظهر في المبادرات والمشاريع الجمعوية المنجزة من طرف أفراد متطوعين يجتمعون في هيئة منظمة، رغبة منهم في تنمية المجتمع والعمل على الارتقاء بنهضته عن طريق توظيف مواردهم الخاصة البشرية والمادية منها.
أكد القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة على وحدة الأصل الإنساني، ولكن مع الإقرار بمبدأ الاختلاف، ورتبا على ذلك ضرورة التفاهم والتعارف والتعاون بين الناس، وتبادل المنافع بين الأجناس والأديان المختلفة، وأمرا بالعدل بين الناس عامة بغض النظر عن عقيدتهم، وهذا ما يؤكد ضرورة التعايش مع الآخرين، ومن أوجه هذا الأخير: نجد التعايش الثقافي بين الأمم والحضارات المختلفة. والأمة الإسلامية واحدة من تلك الأمم، فقد قدمت نماذج يعترف بها العدو قبل الصديق، وضربت أروع المثل في التعايش مع الآخرين. والنماذج الإسلامية للتعايش مع غير المسلمين في تاريخ الإسلام القديم والحديث كثيرة جداً، وعند هذا المقام يتبادر إلى أذهاننا التساؤل التالي: كيف حَفِظ ذلك التعايش القائم بين المسلمين ونظرائهم التوازن و السلم بين الأمم أحيانا ؟ وكيف انحدرت الأوضاع إلى العكس عند فقدانه أو الإخلال بعنصر من عناصره ؟ ولا يمكن في الواقع معرفة ذلك إلا من خلال ذكر نماذج تتضح من خلالها الإجابة على ذلك التساؤل.
الصفحة 2 من 40