مشكل التجديد:
التغير والتطور والتبدل سنة كونية طبيعية، فكل شيء يتغير، لا شيء يبقى على حاله. ويظهر هذا التغير على الإنسان، مثلاً في أدواره العمرية المختلفة، طفولة، فشباب، فشيخوخة، فموت. ويظهر في تجليات الطبيعة المختلفة، وجود فعدم، وهكذا. يتقادم العهد على الأبنية عمرانية أو فوقية – فكرية فتغدو الأبنية متكلسة مهترئة صدئة، بفعل عامل تغير الزمن وتطور العقل وتحولات المكان فتصبح الحاجة ماسة للتجديد تلافيًا للتكلس والتحجر، ولتغيير الأشكال الخارجية للفكر بتغيير بناءاته الداخلية العميقة بالتزامن مع تحولات التاريخ.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
من أين نبدأ؟ وكيف نبدأ؟ وماذا عسانا نقول؟ حين تنقلب المفاهيم، ويسري التعفن الفكري في جسم الأمة الإسلامية؟ ولعل الأسباب كثيرة، والعقبات متنوعة؛ فأمة اقرأ لا تقرا، واكتفت بأخذ القشور من غيرها، ونسيت أو تناست المكانة التي فضلها الله بها على سائر الأمم ، فيا عجب لمن يلبس الإسلام قناع غيره! أولا يصلح الدين إلا بالتفلسف؟ وما ذنب أولئك الأولين الذين لم يطلعوا على كتب الفلسفة؟ أيحاسبون على ذلك؟ وإذا كان هؤلاء المتفلسفة يضربون المثل بسقراط أو كما يطلق عليه شهيد الفلسفة؛الذي قدم رقبته لأجل مبادئه؛ فإن هناك ملايين المسلمين الذين قدموا رقابهم في سبيل الله ولا يزالون.
إن المهتم بمبحث الإعجاز العلمي في الإسلام قد يسجل ملاحظة أساسية، مفادها أن بعض المتخصصين في هذا العلم يحاولون جاهدين إثبات أن الكثير من الحقائق الفلسفية والفيزيائية والفلكية والطبية، التي توصلت إليها العلوم الإنسانية والحقة المعاصرة سبق للإسلام أن أثبتها قبل حوالي خمسة عشر قرنًا، سواء في القرآن الكريم أم في السنة النبوية. وهذا ما يترتب عنه نقاش ساخن في المشهد الثقافي العربي والإسلامي بين مختلف التيارات الدينية والفلسفية، ينحرف فيه هذا النقاش أحيانًا عن مساره الموضوعي، فيستحيل النقد البناء انتقادًا هدامًا، وينقلب الحوار الهاديء إلى تشكيك وتبخيس واتهام.
قد يرى البعض أن علماء الإعجاز العلمي يمارسون من خلال استحواذهم المتكرر على نتائج الاكتشافات العلمية المعاصرة ونسبتها إلى الإسلام نوعًا من الاحتكار المعرفي. وقد يذهب البعض الآخر إلى أن الادعاء بالسبق التاريخي للإسلام إلى إثبات تلك الحقائق، هو في واقع الأمر ادعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة. وقد يخلص فريق آخر إلى أن هذا الادعاء بامتلاك الحقيقة وذلك الاحتكار المعرفي من شأنهما أن يقفا سدًا منيعًا في ربط جسور الحوار الجاد بين شتى مكونات المجتمع الإنساني على اختلاف معتقداتها وثقافاتها وأعراقها ولغاتها.
يعتبر ويليام ماركيز(1930) أول من وضع مصطلح الازدواجية اللغوية٬ مقترضًا ٳياه من الحالة اللغوية اليونانية والقسم الألماني من سويسرا٬ حيث يتم التمييز بين العامية بوصفها لغة تستعمل لغرض تواصلي مقابل الفصحى ذات الوظيفة الكتابية. ويطلق شارل فرجسون (Ferguson charles ) على الفصحى النمط العالي بينما يطلق على العامية النمط الدوني. ويعكس النمط الأخير موقعه داخل الجماعة التي لا تحترمه واصفة ٳياه بنعوت سيئة٬ بينما يحتل النمط الأول مرتبة رفيعة كتراث ثقافي وديني.
قام الباحثون بعد ذلك بتعديل تقسيم فرجسون في ثلاث نقاط: أولا: ٳذا كان فرجسون قد حصر النمط الدوني في كونه منبثقا من النمط العالي٬ فٳن الباحثين يعتبرون الازدواجية اللغوية تعبيرًا عن تنوع البنى الاجتماعية اللغوية داخل الجماعات اللغوية. ثانيا: ٳن عدم تكافؤ القدرة اللغوية في استخدام النمطين جعل الباحثين يميزون بين توجهين اقترحهما فيشمان( Fishman Joshua ) :الجانب الاجتماعي اللغوي٬ يستخدم خلاله مصطلح الازدواجية اللغوية . ثم الجانب النفسي٬ يستخدم فيه مصطلح التعدد اللغوي الذي يرادف تمكن المتكلم لأزيد من نمط لغوي واحد. ثالثا: ٳجراء تعديل يتجاوز سيادة الاعتقاد القائم في استخدام نمط أحادي دون الآخر٬ مادامت منطوقات المتكلم توجد على خط يشمل تنويعات لغوية.
نظرات في الترجمة اللاتينية الأولى للقرآن الكريم لأنطوني بيم(1).
تأليف: أ. د. أنطوني بيم
ترجمة: محمد سعيد الملاح
التدقيق اللغوي: هبة العربي
في عام 1142 نظّم بطرس المبجل، رئيس دير كلوني، فريق عمل للقيام بأول ترجمة لاتينية للقرآن الكريم(2)، جنبًا إلى جنب مع وثائق تفسيرية. وقد قام كل من ماري تيريز دالفيرني (1948) وجيمس كريتزيك (1964) بوصف النص المترجم، والمترجمين، وطريقة الترجمة(3). وبقي أن ننظر، على أية حال، إلى الطريقة التي يجب أن ندرج فيها هذه الترجمة في عملية النقل الثقافي الأوسع من العربية إلى اللاتينية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، وبخاصة فيما يتعلق بوضع النص المقدس. إن السياق الأوسع يتعلق بنوع رئيسي واحد من النقل، إن ما انتقل من المسيحية إلى العالم الإسلامي في القرن الثاني عشر كان: "الحروب الصليبية".
فإذا كان الهدف المعلن للترجمة هو في الواقع تحويل الكفار إلى المسيحية، فلماذا كان على رئيس دير كلوني أن يترجم القرآن إلى اللاتينية، بدل أن يترجم الإنجيل إلى اللغة العربية؟ آمل أن أبين أن الإجابات على هذا السؤال يمكن أن تستمد من ثلاثة أنواع من الممارسات التي انتنقلت من العرب إلى العالم اللاتيني: صنع الورق، والمناظرات كوسيلة للتواصل بين الثقافات، والملاحظة كوسيلة لإنتاج المعرفة العلمية. هذه الإجابات ينبغي أن تساعدنا من ثمّ في وضع الترجمة اللاتينية للقرآن الكريم داخل حركة نقل واسعة جدًا، تشكك في الفصل الصارم بين أوروبا الإسلامية والمسيحية، كمشهد جانبي، وتوفر مفاتيح مهمة لفهم نشاط الترجمة المعروف باسم مدرسة طليطلة.
مع رغبة العديد من المجتمعات في أن تحقق التقدم المنشود لها، ينبغي الأخذ بثقافة التقدم والقضاء على الظواهر السلبية في المجتمع التي تعوق التقدم في الشارع، والعمل، والبيت، ومختلف الأماكن؛ فلا يمكن أن يتحقق التقدم المنشود في ظل ظواهر سلبية مثل عدم احترام النظم والقواعد، وعدم احترام خصوصيات الآخرين، وعدم احترام العمل، وإزعاج مستمر من قبل أفراد للآخرين، وتنشئة الأطفال على العنف، وعدم احترام الأفراد بعضهم لبعض، والتعامل غير المهذب بين أفراد المجتمع بشكل عام، واستغلال من قبل تجار أو سائقي سيارات أجرة أو حرفيين أو أي مقدم خدمة أوسلعة للمستهلكين أو طالبي هذه الخدمات للمستهلكين، وإلقاء قمامة في الطرقات، وفوضى باعة جائلين، وألعاب نارية يتم إطلاقها في أي مكان وأي وقت، وتعقيدات بيروقراطية، وإضاعة وقت الجمهور لتأدية خدمات صغيرة يمكن تأديتها عبر التليفون، أو الإنترنت، أو غيره من وسائل التكنولوجيا. ففي ظل هذه السلوكيات السلبية، لا يمكن توفير البيئة الملائمة للعمل، والإنتاج، والإنجاز، والإبداع، وانتعاش الاستثمار، والصناعة، والتجارة، والسياحة، والتسوق.
استهل عبد الوهاب المسيري مؤلفه ( اللغة والمجاز بين التوحيد ووحدة الوجود ) ، بمقدمة عبر من خلالها عن جدة الموضوع الذي سيتناوله، طارحا في الآن ذاته الهيكل العام الذي يستوحي من منجزه تصوراته في إطار مقاربة نسقية ، تتوخى إضفاء نوع من الوحدة والتماسك على مختلف الحقائق الثقافية المرتبطة بالظواهر الإنسانية. إذ ينطلق الكاتب في مقاربته من سيادة الاعتقاد القائل بأن هناك نموذج معرفي، بمثابة الإجراء التوليدي الكفيل بتفجير مختلف ينابيع البنى الرمزية التي يهبها الإنسان للظواهر. والنموذج برأي الكاتب هو ذاك الواحد الكثير في مرائي مراياه، الذي تنتظم وتصطف بداخله تلك التعددية وفق نوع من المعقولية الداخلية، يكون فيها كل من الإله والطبيعة قطبي الرحى أما مركزها فهو : الإنسان. فهذا الأخير عنصر التوسط الإلزامي من شأنه صياغة الواقع وفق بنية تصورية ترادف رؤية الإنسان للكون، تعكس هذه البنية نموذجا معرفيا من بين نماذج معرفية أخرى (من تصور الإنسان).
وفي إطار السعي الحثيث لتعقب هذه النماذج، ينطلق الكاتب من فرضية مفادها أن هناك ترابطا بين اللغوي والديني والنفسي، على اعتبار أن الصورة المجازية أداة للتعبير وللإفصاح عن رؤية الإنسان للكون من جهة، ووسيلة للانتقال من اللغوي إلى الديني (رؤية الإله) إلى النفسي (مضمون الإدراك) من جهة أخرى.
الصفحة 5 من 40