ترى، ما سبب الاحمرار المفاجئ لكل شيء حولنا؟ هل صرت مهمّة إلى هذا الحد، فقرر الناس أن يسروني بكسو كل شيء بلوني المفضل خاصة وأن ذكرى يوم ميلادي اقتربت؟
انظروا حولكم أعزائي، كل شيء صار أحمر اللون في غضون ساعات، ولا أعني هنا أن الناس أظهروا "العين الحمراء" لبعضهم البعض، فهذا عصر العيون الحوراء، والحولاء أيضا. بعد التفكير، لعل الشوارع احمرّت خجلا من مستوى التعليم لدينا، ومن تردي الأخلاقيات، ومن فشل الإعلام، فقررت أن تحمر خجلا نيابة عنا؟
«من لم يسمع بأبي حسرة لم يكن هنا قبل خمسين عاما وليس حياً اليوم»
قال أبو حسرةَ العنيد، في شأنِ عصرِ الواحدِ السعيد، والحيُّ في هرجٍ مرجْ، ينظرون إلى ما جاءِ بهِ من عجٍّ وغنجْ، بوركتَ يا تحفةَ الزّمان، يا وحيد العصرِ والأوانْ، فلقد جئت بما لم تستطعهُ الأوائل، وفزت على كل ا هو لامس دونَ حائل، ولو أوكلَ أمركَ إليَّ، لخرجتُ بكَ على كلِّ الدنيا وفورَ الهديّةْ، فقد برعتَ للهِ درُّكَ، في كلِّ ما يصنِّفكَ فيهِ وحيدَ صركَ، يا جميل المحيا، وبهيَّ الطلعةِ سميّا ، أما بعد النظرِ ، فعندكَ نه خيرُ الخبرِ، والدلائل كثرُ، والشواهدُ حضرُ..
قال الراوي : عندما وقف الذينَ حكيتُ أخبارهم ،في منتصف المسافة بينَ ما مضى وبين ما هو قابل، أحسست أنَّ النص الذي رويتهُ قد تمرَّدَ عليَّ، واستقرَّ شاهراً حجتهُ القوية في وجهي، وخاطبني بلسان جديد، ما سمعتُ مثلهُ من قبلُ قطَّ، وأحكم عليَّ الحصار، وبادرني بإقفال المسار، وعاجلني في موضع حكيم أمره، وضعف حيلتي أمامَ جبره، فلمّا تيقنت أني غير قادر عليه، أسلمتُ أمري لما طالبني إليه، وعدتُ أسردُ الحكاية من جديد ٍحواليه، وهو ينظر إليَّ حانقاً كلّما حاولتُ أن أحيد، وآتي بما أغفلهُ المريد، فيتطايرُ الشرَّرُ من عينيه، ولا أستطيعُ إلا انقياداً إليه، فلما وصلتُ إلى ما كنتُ توقفتُ عنده، قبلَ أن يجمعَ عليَّ جنده، افترت شفتاه عن ابتسامة، وقال بوركت يا سلامة، الآن ننطلق من جديد، وإياكَ وقول المزيدْ...
كثر الحديث في هذه الايام عن الدولة الفلسطينية ، وليس في الامر ما هو جديد ، فلطالما احتل هذا الموضوع صدارة الأخبار ، ثم انه شيئا فشيئا يخبو ، حتى يكاد ينسى ولا يعود له ذكر . ذلك أن موضوع الدولة لا يشكل اهتماما حقيقيا لدى الأطراف التي يفترض بها ان تعمل بجد واجتهاد ومصداقية لتحقيقها ، عساها بذلك تمحو بعضا من مساحة الظلم التاريخي الذي حاق بالشعب الفلسطيني جراء التآمر عليه واستلاب وطنه وطرده منه.
الصفحة 237 من 432