لا أعرف من الذي اخترع واخترق واختلق فكرة أنّ النساء لا يبحن بأعمارهن، إذ أراه مخطئا حدَّ الفداحة. وكي أعبر عن ذلك عمليا، فإني لا أخجل ولا أتوجّل أن أعلن أنه في هذا الخميس، الخامس والعشرين من فبراير 2010 أبلغ التاسعة والعشرين، وبهذا يفصلني عن الكهولة عام واحد، فالكهل في العربية –صدقوا أو لا تصدقوا- هو من كان بين الثلاثين (أو الثالثة والثلاثين في بعض المعاجم) والخمسين.
اليوم أيضا يفصلني عام عن ما يسميه المجتمع بالـ"عنوسة"، ورغم ذلك لا أجد أية غضاضة في التصريح بعمري. ف ماذا حدث حين صرت على مشارف الجسر المؤدي إلى الثلاثين؟ هل سأموت قبل أجلي؟ هل نقص من رزقي شيء؟ هل حدث لي شيء غير الذي كتبه الله لي؟ أبدا، فلم التهويل والإفراط في التخوف من التقدم في العمر؟
لاحَظتُ عنايتها الفائقة بكفَّـيْها والأصابع، فسألتها ـ على استحياء ـ ذات مساء: ما سـرّ هذه العناية؟ هل تعانين مِن "الأكزيما" ـ لا قـدَّر الله؟
الإنسان عبارة عن أفكار ذهنية تحكمها قوانين عقلية، قد تقود إلى أحكام صائبة وتجنب الخطأ، لذا أتى الإسلام العظيم ليحكم هذه القوانين ويضبطها بضابط الشريعة، بدلًا من هوى النفس واستكبار الشيطان لعنه الله، لذا فإن نتائج النظام الفكري للمجتمع الكويتي الذي نشاهدها حاليا، والتي سوف نلمسها مستقبلا، تحدث من خلال تفاعلات الأساليب الفكرية المتغيرة، والمتمثلة في أجزاء المجتمع المختلفة بكل أطيافه، ويصاحب إظهار هذه الأفكار سلوكيات معينة تعكس نوعية هذا التفاعل وطبيعته وتحدد نتيجة هذه العلاقات المجتمعية المعقدة.
إذا كنتن وكنتم تظنون أن أعداء المرأة قوم غِلاظ جِلاف ينادون ليل نهار بعبارات مُقلِقة مثل أن المرأة كائن من الدرجة الثانية، أو أنها من نسل إبليس، أو أن أصلها ثعلب كما تقول الأسطورة اليابانية، أو أن "شرشبيل" الشرير هو من صنع أول "سنفور" أنثى، فأنتم حتما تحتاجون إلى مراجعة تاريخية!
أعداء المرأة يأتون بجميع الأشكال والألوان والأصناف، ورأينا على مدى التاريخ تشكيلة كبيرة منهم (بل ومنهن أيضا!) ففي كل عصر يخرج شكل جديد يتلاءم مع روح العصر ومتطلباته! وإني أعجب من قدرتهم البقائية الارتقائية هذه التي أتمنى أن أعرف سرها ليستعملها العلماء على الكائنات المهددة بالانقراض! مسلسل سوق النخاسة -نخاسة المرأة- مستمر لا يتوقف، وفي كل عصر يأتينا موسم جديد وحلقات جديدة بحبكة أكثر خبثا ودهاءً عن سالفاتها.
لم تستطع كل مهرجانات الدعاية الإعلامية ، في شرق الأرض وغربها أن تحملني على الخوض في موضوع "عيد الحب" هذا القادم إلينا خلال أيام ، والذي لايخرج عن كونه مظاهرة اقتصادية ، اخترعتها المراكز التجارية الكبرى لترويج البضائع بعد انقضاء موسم "رخص رأس السنة وأعياد الميلاد" ، ليستمر المستهلك في مزاولة العادة الأجمل لدى التجار وهي الإنفاق والإنفاق والإنفاق ، موسما وراء موسم ، وعيدا بعد عيد ، ومناسبة بعد مناسبة .
إنّ الطابع العلمي للدرس اللساني جعلني أفكّر في طريقة رأيتها الأمثل لتقريب الفكر اللساني إلى المتلقي العربي، فحاولت أن أتقمّص دور هذا الأخير لأخمّن في بعض الأسئلة التي قد يطرحها للاستفسار عن خفايا و مزايا هذا العلم، لأنتقل بعد ذلك إلى الإجابة عنها بطريقة موجزة و مبسطة، و لتكن البداية في السؤال العام الذي عنونت به المقال:
الصفحة 132 من 432