ذلك الفتى الغرير بسنواته السبعة عشر وجسده النحيل وقامته القصيرة ، ذلك الفتى بتقصيره في دراسته وتركه صلاته وإضاعته عشرات الآلاف في فواتير الهواتف الجوالة ، ذلك الفتى الذي بدأ بالخروج مع إحدى بنات جيرانه متحديا إرادة أبيه وأوامر أمه ، وقع في غرام الصبية وهو ذاهب آيب أمام نافذتها ، يرقبها بعينيه الطفلتين قبل أن تكتشفا أن في الحياة شيء يدعى العشق والهيام ، ذلك الفتى الكذّاب بامتياز ، يكذب على أمه و على أبيه و على اخوته ، هذا الفتى الذي أصبح يدخن في اليوم علبتي سجائر يسرق ثمنها من درج أمه ، ويتسلل بعد منتصف الليل من البيت ليخرج مع رفاق السوء إلى حيث لايعلم أحد ، وعنما يعود بعد الفجر يدّعي أنه كان في صلاة الصبح جماعة في المسجد!
كثيرون –وأنا منهم- من يشعر بحالة من الإحباط العام حول ما يجري ويدور حولنا من أحداث متسارعة ومتعاقبة ، خصوصاً أننا بدأنا نشعر بتجلي وانكشاف حالة انتصار الظالم ، وقلب الحق، وقهر الحقيقة.
في واقع الأمر ، هذا شعور وتفكير يراودني منذ سنوات ، ولكن بدأت أشعر به بقوة يتحكم في مركز التفكير في عقلي بشدة هذه الأيام ، خصوصاً مع الأحداث الغريبة والسريعة والمتتالية التي تمر فيها الكويت في السنوات الست الأخيرة ، لقد بدء كل شيء بالتغير وكأننا نجري نحو هاوية لا ندري أين ومتى نصل لقاعها .
ثم حولت تفكيري لبُعد أوسع من هذا، محاولة مني للتفكير خارج الصندوق – كما يطلق عليه- فوجدت أن الكون والعالم يعاني من نفس المعضلة !
عِندَما تَنتَهي بِنا الجُملَة ـ أثناءَ الكِتابَةِ ـ في نِهايَة السَّطرِ نَضَعُ نُقطَة ثُمَّ نَنتقِلُ إلى سَطرٍ جَديدٍ ..نقومُ بهذه العَمليَّة بشكلٍ تلقائي ، ودونَ تَعنُّت مِنَّا في رَصِّ الحُروفِ على السَّطرِ الأوَّلِ ، وذلكَ لأننا أدرَكنا
تمام الإدراكِ ـ أنَّ السَّطر لَم يَعدْ يَتَّسع لحَرفٍ جَديدٍ ، وما عادَ يَحتمِل مِن الكلماتِ ما يُشكِّل جُملة مُفيدَة ذاتَ مَعنى جَميل ، فيأتي السَّطرُ الثاني بمَثابةِ فرصَةٍ ثَمينةٍ تَهَبُ حُروفنا الحَياة مِن جَديدٍ !
شعرت بنشوة جهادية كبيرة حينما رأيت هذه الصورة في الجريدة ويبدو فيها الشيخ محمد العريفي الداعية الاسلامي في الزي العسكري حاملاً السلاح مقاتلاً الحوثيين الضالين.. ولا شك أن الشعوب الاسلامية اليوم متعطشة لفتح باب الجهاد خصوصاً شباب الصحوة الاسلامية..
لم يكن الأمر مفرحاً أن ترى المسلمين يتقاتلون في ما بينهم وإن كنت أعتقد بانحراف الحوثيين عن المنهج الصحيح للإسلام.. لكن هل قتالهم اليوم مشروع؟ وهل هو جهاد فعلاً؟
التدريب ليس نزهةً نسعَد بها.
التدريب ليس حدثًا عابرًا نتحدثُ عنه ونتذكره.
التدريب ليس آيةً كريمةً نقولها في غيرِ موضعها.
التدريب ليس حديثًا شريفًا نُحمِّله ما لا يحتمل.
أصيح بالخليج: « يا خليج
يا واهب اللّؤلؤ، والمحار، والرّدى !»
فيرجع الصّدى
كأنه النّشيج :
« يا خليج
يا واهب المحّار والرّدى. »
وينثر الخليج من هباته الكثار،
على الرّمال رغوة الأجاج، والمحّار
وما تبقّى من عظام بائس غريق
بدر شاكر السيّاب/ من أنشودة المطر
كان السيّاب حاضرا معي في رحلتي هذه ، أكثر من ذي قبل فالسيّاب يظل من أهم الشعراء الذين أحب شعرهم وأشعر شعورا صادقا بمآسيهم ،أما هذه المرة فيحضر بكثرة في خيالي ووجداني لأنني سأقترب كثيرا من جيكور بلدته في العراق ومن الكويت حيث مات وحيدا منسيا ذات شتاء من عام 1964.
الصفحة 135 من 432