جميلة بوحيرد: ومن ذا الذي لا يعرف تلك الماجدة التي قدمت أعظم التضحيات في سبيل اخراج الأمة من ذل الاستعمار إلى عز الاستقلال، ومن ذا الذي لم يقرأ عن شجاعة هذه المناضلة التي هي مثال ناصع للمرأة العربية الاصيلة...إنها أم الجزائر وصفحة مشرفة في سلسلة الكفاح العربي عبر التاريخ.
قد لا يختلف اثنان في أن الأمازيغية صارت تشغل حيزا كبيرا في المجال التداولي المغربي، بمختلف أنساقه الفكرية والسياسية والتربوية والإعلامية والتنموية، وغير ذلك، لا سيما في العقدين الأخيرين؛ العشرية الأخيرة من الألفية الثانية الماضية، والعشرية الأولى من الألفية الثالثة القائمة، غير أنه قد يختلف اثنان في رؤيتهما للأمازيغية، وتفسيرهما للقضايا التي تمت، بشكل أو بآخر، إليها، وما أكثر هذه القضايا التي يتخذ النقاش حولها طابعا جدليا ساخنا، وتنحو الأسئلة التي تثار حولها منحى إشكاليا شائكا، إلى درجة أنه كل لحظة يطفو على سطح الواقع المغربي مستجد ما، يرتبط بالملف الأمازيغي، غالبا ما يستقطب أنظار الرأي العام، ويسترعي انتباه الرأي الخاص الوطنيين، سواء بسواء.
كان ذلك عام 1981 ..بعد خمسة أشهر من قدومي الى اسبانيا ، سمعت شريطا مسجلا لمحمد قطب أحد أكبر الكتاب والمفكرين الاسلاميين في تلك الحقبة ، جاء فيه: "إن المسلمين اليوم يعيشون في أوربة ويساعدون في بنائها ، وهم جزء من خطة استقدام مدروس لليد العاملة الرخيصة ، ولذلك فهم "مسكوت" عنهم حاليا، وعما قريب عندما تفرغ أوربة من المهمة التي استقدمتهم من أجلها ، وعندما يصبح لهم وجود جماعي ومساجد يحافظون من خلالها على هوياتهم فإن أوربة لن تستمر في السكوت على ذلك ".
من الحقائق المسلم بها ان العرب ينتسبون الى أمة واحدة.واذا كان تاريخهم في الجاهلية قد عكس صورة اخرى عن انقسامهم وتشرذمهم وتعاديهم وتفرق كلمتهم وهيمنة روح الانتماء الى القبيلة،وهي الكيان الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الأصغر والاضعف والاقل شأنا، فهذا كله لا ينفي عنهم صفة الأمة المتجانسة عرقا ولسانا.وفي نفس الوقت ليس هناك دليل على انهم تجاهلوا البتة كونهم عربا أصلا وفصلا،نسبا وحسبا،حتى في غمرة ذلك المشهد القائم على الفرقة والانقسام.
بداية أعترف أن لمصر في قلبي كل التجلة والإكبار، منذ أن فتحت عقلي وقلبي وذوقي على مواجد ابن الفارض وأشجان ناجي و سرديات العميد الحلوة والفكر الدقيق الصارم عند هرقل مصر وشمشونها(العقاد) والحيوية المتدفقة عند القاهري نجيب واللحن الخالد عند صاحبة العصمة، والاندغام في الغيب المحجوب في صوت المقرئ عبد الباسط عبد الصمد،حد النشوة بالحضور والتجلي . فنهر النيل لا يغرف منه الإخوة في مصر فقط بل يغرف منه الملايين من أبناء العروبة- لهم نيلهم ولنا نيلنا- ومصر الفاتنة الخالدة بأهرامها ورمسيسها وإيزيسها وأوزيريسها هي وشم على زند الأيام وساعة في معصم الزمان، بآثارها الخالدات يأخذ التاريخ معناه وتستقيم للحياة وجهتها إلى معارج الرقي والكمال.
وقعت عيني صدفة على ملف فيديو يصور لقطات انتشال جثث ضحايا سيول مدينة جدة الحبيبة إلى قلبي ، أطفال ونساء وشباب ، وكأني دخلت في حلم مرعب أحاول أن أتحرك في أحداثه فأستيقظ من شدة العجز ، تألمت وكأني أغرق معهم ، تخيلت .. كيف كانت آخر لحظة في حياتهم ، وما آخر كلمات قالوها ، الأب والأم وأبناؤهم في السيارة ماذا كان حديثهم ومزاحهم قبل أن يخطفهم القدر ، أهكذا ببساطة قتلت الأحلام !
الصفحة 137 من 432