هل فكّرت يوماً في رفع دعوى قضائية ضد ذاك الذي اخترع الكتابة؟
منذ نشأنا تلقّينا كثيراً من المسلّمات، وصرنا نردّدها في الصباح وفي المساء، في السر وفي العلن، معلنين ، بفخر، أنّ العلم نور والجهل ظلام. ولكن، ماذا لو أننا فكّرنا مرّة في الكف عن الببغائية ورحنا نعكس ماتعلّمناه لنمتحن مصداقيّة مانؤمن به ؟
جرّبوا أن تسايروني اليوم، وتعالوا نفكّر معاً في المآسي التي جعلنا نتحمّل أوزارها ذلك العبقري الذي اخترع الكتابة ؟
اهتمت الرواية المصرية التي اتخذت من القرية فضاءً لأحداثها وشخصياتها بتصوير شخصية "العمدة"، فهو ممثل السلطة التنفيذية، والنائب عنها في إدارة القرية، والعمدة ـ في الواقع ـ "شخصية لها حضور مؤثر وفعّال بالنسبة للإدارة والناس على السواء، فالإدارة تلجأ إليه لتلبية إرادتها، وهو يلجأ إليها لتلبية رغباته، والعلاقة بينهما علاقة سُرِّية، فوجوده مرتبط بوجودها، ولذا فإنه لا يستطيع الانفصال عنها أو التمرد عليها، إلا إذا أوتي خصائص معينة"(1).
ولقد قدّم ثروت أباظة صورة نموذجية للعمدة في روايته "هارب من الأيام"، كاشفاً عن شخصية حاكمة، متسلِّطة، مرتشية، تحكم بالهوى، وتأخذ من الدين قشوره وظاهره، ورسمها في هذه الصورة المعبرة:
(الموت) كلمة قليلة في حروفها ضئيلة في مبناها لكنها تنضح بدلالات موجعة تنفر منها النفوس والأرواح وتقشعر لها الجسوم والأبدان ولا تقوى على احتمالها شمّ الرواسي ,ولو أن صورة الموت المعنوية تشخصت على أرض الواقع لكانت صحراء قاحلة يسكنها الظمأ والجفاف ,ولا تسمع بها سوى عزيف الرياح الموحشة .
تتعدد المنافي بالنسبة للروح الإنسانية على وجه العموم، والروح العربية على وجه الخصوص.
ولنعرف أولا ماهية الروح:
هي ذلك الشيء الخفي الذي يتألم داخل إطار الجسد الذي تحكمه ماديات الحياة ويحكمه عقل قد تشكل فى الإنسان منذ عهد الصيد والقنص بالحربة والحجر الى عهد الصيد والقنص بالصواريخ الموجهة والأقمار الصناعية و لكن بقي شيء واحد يحمله الإنسان منذ بدايته حتى الأن لا يستطيع التخلص منه تلك الأنانية التي يحملها بين جنبيه وتطغى على تفكيره وتصرفه حينما بات من المؤكد ان يظهر معدنه فى فترات متفاوتة كلما تسلح بالقوة يريد ان يقتنص اكثر ويمتلك اكثر بغض النظر عن تركه مساحة ولو ضئيلة لغيره ليصيد فيها، ليسد رمقه.
هو السؤال الأكثر مرارة وخيبة، ليس لأنه يحمل في معناه العام المفترض تلمّس الحلولً للمشكلات، بل لأنه أصبح موضة اليوم وكل يوم، والوصفة المفضّلة لغسل الضمائر من أدران الشعور بالعجز..
ونحن في لجّة أحداث الانتفاضة الباسلة، نرقب من بعيد مجريات الأحداث، نحزن، ونتحسّر، نمتلئ غيظاً وقهراً لكننا نحتسي القهوة، ونتفرّج على المحطّات التلفزيونية العربية الأخرى بما فيها من تسلية وإثارة.. وخلافه.. بعدها نتناول الطعام، نلعب مع أطفالنا، وننام مع زوجاتنا..
وحتى لا تقتلنا ضمائرنا، نجلس في منتدى، أو في مقهى، ونتساءل بحماسة منقطعة النظير:
*) كل عيد يا وطني وانت بخير.. أنت تصحو مرة أخرى على صباح عيد التضحية والفداء ، وكم صحت عيناك من قبل على مدار الأيام والسنين على مثل هذا الصباح . ها أنت تصحو تفتح ذراعيك تتنسم عبق نسائم الحرية المعطرة بأنفاس أجيال من عشاقك اصطفوا جيلا فجيلا يقدمون لك فروض التضحية والفداء .
*) أيها الأب الحنون والأم الرؤوم .. في أحضانك وبين ذراعيك وتحت ظلال أفياء حبك الغامر هذا المدى يولد أبناؤك يلوّن عيونهم شوق لرؤيتك ترفل في عباءة المجد والحرية .. يخفق في قلوبهم عشق لا ينطفىء ضرامه رغم أعاصير الأيام السوداء .. في أيديهم تتهادى مناديل بلون ثراك وأطيارك وأزهارك وسمائك ونجومك وأقمارك .. في أشواقهم حرارة شمسك التي لا تعرف الانطفاء والغروب .
- الشرارةُ الأولى
بدأ بقراءات متعدّدة و لعلّ أكثر من أثّر في انطلاقته ،
الايطالي برونو ؛ وحدة الوجود و أنّ كلّ شيءٍ واحد في العلّة و العنصر و الأصل .. العقلُ و المادةُ شيءٌ واحد .. ذروة المعرفة لهذه الوحدة هي محبة الله .
ديكارت ؛ أنا أفكّر إذاً أنا موجود .. العقلُ هو الأصلُ به تُدرك الأحاسيس و وجوب معرفة العقل جيّداً قبل كلِّ شيء ، و الوجودُ ينحلُّ الى عنصرين عقلٌ و مادة. كلُّ العالم يفسّرُ بطريقةٍ آلية ميكانيكية ما عدا النفسُ و الروح ..