تمرُّ الشهور والثواني، ومعها الفرصُ والأماني، في كل لحظةٍ في الحياة هناك ملايين الحوافز التي تجعل من الشابِّ شخصاً فاعلاً مؤثراً في مجتمعه، فقبل أن تأتيهِ الفرصة ؛ يترقَّبُها ترقُّب القناص للفريسة، ويبادرُ لها ليطلبها، ويهيئ الظروف لتمشي معه بمرونته، ثم هو يصنعُ الحدث ليكونَ محطَّ الأنظار من الآخرين دون أن يناديهم.
فهذا أحمد طالبٌ مُستجد بعد أن أنهى محاضراته الجامعية؛ نوى أن يصليَّ الظهر، فبحث عن مصلى فلم يجد! فلم يكن ذلك مبرراً لتأخير الصلاة.
أود طرح ظاهرة مهمة جداً لوحظ في الآونة الأخيرة انتشارها بشكل كبير جداًفي بعض المجتمعات وهي الشائعات التي شملت جميع جوانب الحياة وأصبحت من العادات المحببة لدى البعض وكأنها أمر طبيعي يفترض على الجميع المشاركة فيه والمساعدة على نشره.، وأصبحت الشائعات من قوة انتشارها تتحول في عقول البعض إلى حقائق وما هو لافتاً للنظر أيضاً أن معظم الشائعات تكون مفبركة يطرحها خبراء متمرسين وبالوقت المناسب لتلائم الحدث .وللأسف الشديد انتشرت بقوة
تفوق قوة الحقائق، وسبب قوتها يعود للأرض الخصبة التي ترعاها. فمثل هذه الظواهر تلحق الضرر في كل أفراد المجتمع بكافة فئاته .
ما استقرّت الحياة على جوديِّها ولا استقامتْ على جادّتها إلا في كنف ميزان ذي كفتين
متوازيتين، وما أصابها الخلل ولا اعتورها الخراب إلا بحيف إحدى تلكما الكفتين
والخسف بالأخرى، بل إن ذلك الميزان الحياتي المقصود هو أقدم الموازين وألزمها
قاطبة...ولم لا؟! وقد سوّاه واهب الحياة الذي هو-سبحانه-أعلم بها وأخبَر بما
يُصلحها ويُقوّمها.
أكد القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة على وحدة الأصل الإنساني، ولكن مع الإقرار بمبدأ الاختلاف، ورتبا على ذلك ضرورة التفاهم والتعارف والتعاون بين الناس، وتبادل المنافع بين الأجناس والأديان المختلفة، وأمرا بالعدل بين الناس عامة بغض النظر عن عقيدتهم، وهذا ما يؤكد ضرورة التعايش مع الآخرين، ومن أوجه هذا الأخير: نجد التعايش الثقافي بين الأمم والحضارات المختلفة. والأمة الإسلامية واحدة من تلك الأمم، فقد قدمت نماذج يعترف بها العدو قبل الصديق، وضربت أروع المثل في التعايش مع الآخرين. والنماذج الإسلامية للتعايش مع غير المسلمين في تاريخ الإسلام القديم والحديث كثيرة جداً، وعند هذا المقام يتبادر إلى أذهاننا التساؤل التالي: كيف حَفِظ ذلك التعايش القائم بين المسلمين ونظرائهم التوازن و السلم بين الأمم أحيانا ؟ وكيف انحدرت الأوضاع إلى العكس عند فقدانه أو الإخلال بعنصر من عناصره ؟ ولا يمكن في الواقع معرفة ذلك إلا من خلال ذكر نماذج تتضح من خلالها الإجابة على ذلك التساؤل.
من نعم الله على الإنسان المعاصر وسائل الاتصال الكثيفة التي يعوم فيها الإنسان، فلا يستطيع معرفة العمق لها ولا الطول ولا العرض، إنها متعددة التواصل: عبر الهاتف، وعبر الواتس اب ومجموعاته وأفراده، وعبر جوجل، وعبر الفيس بوك، وعبر تويتر، وعبر الصحف الإلكترونية ومداخلاتها. إنها ميدان للحوار والجدل والاختلاف وتارة الافتراق من بعد ما جاءهم العلم، وهي وسيلة للعلم والمعرفة والعمل والممارسة، ووسيلة لكشف المواهب، وعن طريقها تجمع المعلومات، وهي تضع الكتب أمامك، كأنها طائر الهدهد أمام سليمان بن داود، والكتب بين يديك حاضرة في لحظات نيرات مثمرات، إنها تواصل بين الأرحام في المشارق والمغارب، وهي طريق التعارف والتحابّ، وهي ملتقي الأفكار والمفكرين، وميدان للجدل والحوار الموصل للخير، وهي ناشرة الإبداع، ومعرّفة بالمبدعين. إنني أعترف بتقصيري، فأنا أعدّ من محاسنها ولا أستطيع أن أحصيها.
إنها مولّد الحضارة السريعة المتوثبة، إنها ميدان عقول الموهوبين المبدعين وطرائق نتائجها، وقد استخدمها شباب الغرب في صالح الفرد أولا، ثم تطور إلى صالح العالم بأسرة، إنها جامعة المعلومات للفرد والدول، إنها اخترقت الخصوصيات وسبرت أغوار الساسة والخبراء وصانعي القرار، إن الاستخدام الأمثل لها يرقى بالأمم والأفراد، ويطور الصناعة، ويبدع الإبداع، وينجز الإنجاز، ويولد المعرفة، ويجسد الصناعة الدقيقة، كتوجّه الطائرة في الفضاء، وتوجّه السفن في البحار، وتصور الكواكب والنجوم والأعلى والأسفل من السموات والأرضين.
ذبل شباب منى، منى التي كانت أشبه بزهرة تفتحت بين الأشواك.. فإن كانت الزهور تذبل عندما لا تلقى ما تحتاجه من عناية ومن انتعاش بالماء الذي هو عنصر الحياة؛ فإن المرء الذي لا يجد من يُشعره بإنسانيته، والذي يفتقد إلى من يمنحه الحنان الذي هو عنصر الحياة وغذاء الروح بالنسبة لبني البشر؛ يصبح أشبه بالزهور الذابلة...
لم تكن منى قد لقيت يوما ـ ومنذ طفولتها ـ ما يُغذّي روحها البريئة. كانت تشعر دوما بأنها عبء على عائلتها وبأنها الشخص الإضافي في تلك العائلة المؤلفة من عشرة أفراد، وبأن مجيئها إلى العالم ـ كان كما يُشعرها كل من حولها ـ كان شؤما على عائلتها.
كثيرا ما حاولت منى أن تفهم سبب ذلك النفور وعدم الاهتمام، لكنها لم تكن قد وجدت بين أفراد عائلتها من هو أو من هي على استعداد حتى للإجابة على تساؤلها؛ الذي ظلّ دوما ذلك السؤال المُبهم والأمر الغريب الذي رافق طفولتها المُبكرة، وإلى أن بلغت سنّ الرشد وإلى أن نضجت مداركها؛ حيث كان الأمر قد أصبح حينذاك جليا تماما أمامها.
كانت الابنة الأصغرَ سنا في عائلتها، كان ما تم إعلامها به هو أن والدها قد فارق الحياة وهو لا يزال في أوج الشباب، وبعد ولادتها بأشهر قليلة نتيجة لحادث سير أليم. كان قد ترك عبء تلك العائلة الكبيرة على عاتق والدتها التي لم تكن يوما قد تقبّلت قدرها، وأن وفاته قد جعلتها تُصبح عنيفة عصبية المزاج، وهو ما جعلها تقسو بشكل خاص على منى التي اعتبرها جميع أفراد عائلتها شؤما عليهم.
الصفحة 43 من 432