بَـقِـيَ الثُّـلثُ.. والثُّلثُ كَثيرُ!
يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
إن الأماني لا تأتي إلى الإنسان بمجرد أن يتمناها، ولكن عليه أن يسعى لها وينتزعها من مكانها ليفوز بها. فكلمة “غلابا” التي وردت في البيت تعني الغلبة أو المنافسة، وهي كما أراها تعني القوة، القوة التي يمكن أن نستخدمها في سعينا لتحقيق أمانينا. ولا أتحدث عن القوة المرتبطة بالعنف أو الغصب أو الظلم، فللقوة معانٍ كثيرة شاملة وهامة.
القوة كما يعرفها بعض الفيزيائيين هي المؤثر الذي يؤثر على الأجسام فيسبب تغيير حالتها أو اتجاهها. وكذلك القوة في حياتنا، فالقوة هي القدرة على التأثير في الحياة وتغييرها. فأي صفة أو مهاراة يمكنها أن تؤثر في الحياة وتغير الأمور يمكن أن نسميها قوة، فيمكننا أن نقول أن هناك ما يمكن تسميته بقوة العضلات، وقوة السلطة، وقوة المال، وقوة الشخصية، وقوة الأخلاق، وقوة العقل، وقوة العلم، وغير ذلك من أنواع القوى الكثيرة التي يمكن أن تفكروا معي فيها.
عزيزي رمضان،
طبت وطاب ذكرك، وزخر بالخير بحرك. فعليك من المنّان السلام والإكرام.
لا، لا، لا! لا لبسَ في الموضوع. لم أكتب هذه الرسالة إلى شخص يدعى رمضان، بل كتبتها أنا إليك يا شهر رمضان. وإذا كنا منهيين عن سب الدهر، إلا يعني هذا أيضا أنه يجوز لنا الثناء عليه خاصة حينما يكون مباركا مثلك؟
لنا عيدان، وكم تمنيت أن يُعد قدومك عيدا ثالثا. أنت لنا عيد ومائدة وفائدة تتنزل من السماء، وتتجلى بالسناء. وحين أقول "مائدة" فإني حتما أعني بذلك تعبيرا مجازيا، ولم أتأثر بإحدى الفضائيات التي تكرر في أحد إعلاناتها عبارة "لرمضان، شهر الولائم". رغم أن الصائم في الدول العربية هذا العام يصوم 14-15 ساعة تقريبا، وتبقى له 9-10 ساعات، إذا حذفنا منها ساعتين أو ثلاث قد يتخللها النوم والراحة، فإن هذا يبقي لنا 6 ساعات تقريبا، يحشو فيها العربي بطنه حشوا بوجبتين أو ثلاث. وعلى اعتبار أن معدل هضم الوجبة العادية يكون قرابة 4 ساعات، أما الوجبات الدسمة فإنها تستغرق 6-7 ساعات، فهذا يعني أن الصائم العربي تمكن ولله الحمد من استغلال معدته الاستغلال الأمثل، ووصل إلى آلية تمكنه من تشغيلها على مدار ساعات الفطر دون كلل أو ملل أو راحة. وهذا إنجاز يدل على حرص المواطن العربي على الإنتاجية خاصة في رمضان، وعلى الحفاظ على الموارد. وتكون أنت بذلك يا شهر رمضان شهرا تربية النفوس، وتربية الكروش. ويمكن أيضا ملاحظة هذا بنتوء ملحوظ يظهر على سطح هلال العيد، فهذا النتوء ما هو إلا كرش نبت للهلال، وهذا إن دل فإنما يدل على أن علمنا وإنجازاتنا شقت أجواز الفضاء، وصدرناها إلى أمم الأرض والسماء. سامحني، سامحني يا رمضان، فقد خرجت عن غرض الرسالة.
تنفرد مدينة نابلس جبل النار بعادات وتقاليد خاصة بها، أو أنها تتشابه إلى حد ما مع بعض المدن الإسلامية مثل القاهرة ودمشق، وتذكيرا فقد لقب المؤرخون مدينة نابلس بدمشق الصغرى، ومع ذلك تظل نابلس لها خصوصيتها وتفردها.
لقد اعتاد النابلسيون على استقبال شهر رمضان المبارك من كل عام هجري بفرح وسرور عظيمين. ولا عجب في ذلك فهو شهر الرحمة والمغفرة، شهر الخيرات والبركات، شهر التوبة من المعاصي والذنوب.
قبل أيام من ثبوت رؤية هلال شهر رمضان المبارك الذي اعتاد المسلمون في كثير من الأقطار الإسلامية أن يحتفلوا به، فكان النابلسيون يستعدون لهذه المناسبة الكريمة بما يليق بجلال حلول هذا الشهر المبارك.
من البديهي أن نقول أن التخطيط والتغيير إنما يخصان المستقبل، وأن الماضي لا يمكن التخطيط له ولا تغييره، ولا يملك الإنسان أي تحكم به، ولكن هناك من يقضي جزءاً كبيراً من حياته مصارعاً لهموم الماضي متحسراً على ما فاته مهدراً طاقاته ليُضعف صحته النفسية والجسدية في التفكير فيه والحزن عليه والتألم بمئاسيه، متناسياً أن ما يستحق التفكير والتخطيط فعلاً هو المستقبل الذي لا تزال لدى الإنسان الفرصة في التأثير فيه والتحكم به.
إن ما تتعلمه اليوم يجب أن يؤثر ايجابياً على مستقبلك، لا أن يجعلك تندم على ماضيك، فانظر إلى الأمام لتؤثر في الحياة، ولا تنظر إلى الخلف إلا لتتعلم الدروس والعبر التي تفيدك في المستقبل، فإنما وجد الماضي لنتعلم منه، والحاضر لنعيشه، والمستقبل لنخطط له، ولا يوجد وقت للحزن.
الصفحة 116 من 432