الفاضل المحترم الدكتور صالح بن سعيد بن حمد الشّيذاني رئيس الجمعية الفلكية العمانية،
تلقيت ببالغ الاهتمام دعوتكم الكريمة في الحضور إلى مسقط لإلقاء محاضرة عن تدريس الفلك في القرن الواحد والعشرين :تجديد وإبداع في رحاب جامعة السلطان قابوس في إطار الملتقى الخليجي العاشر لعلم الفلك، والذي تستضيفه سلطنة عمان ولقد تجشمتم عناء الحصول على التأشيرة والحجز في فندق فخم إكراما للحضور، وليس هذا بغريب على أهل السلطنة الكرام فقد ظل الكرم ديدنهم وتقدير العلم والرغبة فيه دأبهم وشخصيا لي تجارب جميلة مع مجلة نزوى ومع كثير من المنتديات العمانية التي تشرفت بالكتابة فيها كمنتدى السلطنة الأدبي وحظيت بشيء غير قليل من الاهتمام والتقدير ما دفعني إلى المضي قدما فيما قدرته لنفسي من البوح وما ادخرته لقرائي من الأدب والفكر معا. وإن هذه الدعوة الكريمة لتعكس بحق قيمة العلم في السلطنة وشغف أهلها به ، وأراها قمينة حقا بالريادة في عالمنا العربي مستقبلا فقناعتي أن السلطنة تسير سيرا متئدا بلا ضوضاء إلى معارج الرقي الفكري والعلمي والأدبي. وأراها ولا ريب تجسد الحلم حقيقة والأماني واقعا وما ذلك عليها بعزيز.
لم أكن أعرف أن الطريق بين مدريد وقرطبة بالقطار السريع يستغرق ساعتين فقط، وهذه هي المرة الأولى التي أمر فيها على قرطبة منذ ثلاثين عاما، فأنا لم أدخلها من قبل ولم أزر مسجدها الشهير، ساعتان فقط.. شيء عجيب، كنت أظن أن قرطبة وغرناطة بعيدتان جداً عن مدريد، فإذا بهما قريبتان، قريبتان إلى درجة أنني لا أستطيع أن أسمي رحلتي هذه رحلة أندلسية، فموضوع الأندلس لم يبدأ في مدريد، ولكن في دمشق، والرحلة الأندلسية بدأت بولادة حضارة أذهلت العالم قروناً، وشكلت جسراً ضخما للمعرفة بين الشرق والغرب قبل أن تأفل نجومها وتنطوي صفحاتها، وتصبح أحاديث وأشعارا وحنينا غامضا في صدور قوم لا يفقهون حركة التاريخ إلى درجة تكرار مآسيها بحذافيرها وبنفس آلياتها.
يحاول العلمانيون أن يغرسوا في أذهاننا فكرة خاطئة، مفادها أن الكويت دولة علمانية لا علاقة للدين بشؤونها العامة، بحجة أن لدينا دستور وقوانين وضعية، ويستغلون في محاولتهم الخطيرة هذه، نفوذهم التعليمي والإعلامي والصحافي والقيادي، الذي نجحوا بالحفاظ عليه منذ نشأة الكويت المعاصرة وأجهزة الدولة الحديثة.
وافتراؤهم هذا غير صحيح لعدة شواهد، أهمها ما قررته نصوص دستور 1962 ومذكرته الإلزامية، حيث أنه (لا اجتهاد في وجود نص)، ولا يخفى على أحد كون الدستور هو القانون الأعلى في الدول، ويمثل العقد المبرم بين الحكام والمحكومين، ويبين شكل نظام الحكم والأسس الاجتماعية والاقتصادية التي تقوم عليها الدولة.
فقد حسمت المادة الثانية الخلاف المفتعل باكرًا عندما قررت أن (دين الدولة الإسلام)، فهي بهذا النص قد قررت أن الكويت دولة ذات دين، وأن هذا الدين هو الإسلام.
هذه هي المرة الاولى منذ ثلاثين عاما التي أقصد بها منطقة الجنوب الاسباني آتية من مدريد ، وبالقطار ، وهذه هي المرة الاولى التي اعيش فيها هذه التجربة الغريبة ، مواكبة خطوط سير سكان شبه الجزيرة الإيبيرية من المسلمين الذين طردوا من هذه البلاد واستؤصلوا عن بكرة أبيهم منها ، وهذه هي المرة الاولى التي استمع فيها وخلال ثلاثين عاما في اسبانيا الى برنامج اذاعي مدته ساعة ونصف بالتمام والكمال يتحدث جملة وببعض التفاصيل عن حياة "الموريسكيين" ، ومعاناتهم ، والطرق القذرة البشعة التي اتبعتها محاكم التفتيش لإبادتهم واجتثاثهم من أرضهم ودينهم ووجودهم الإنساني والحضاري ، تلك الطرق التي نجحت فيها مملكة" قشتالة "-حيث لم تكن اسبانيا في حينها تسمى اسبانيا أصلا ، ولم تكن حدودها الانسانية والثقافية والجغرافية معروفة كما هي عليه اليوم- أيما نجاح في إبادة شعب كامل ومحوه من الحاضر والمستقبل ، وإلى درجة أن قررت فيها الامبراطورية القشتالية بقيادة الكنيسة الكاثوليكية في حينها تجربة حظها مع شعوب أمريكا الجنوبية وبنفس الطرق "الناجعة " التي اتبعتها مع مسلمي البلاد والذين كانوا سكان هذه المنطقة من العالم خلال ثمانمئة عام لاأكثر ولا أقل!! أي عشرة أجيال !
المتباكون على الأندلس وحضارتها، الحريصون على رثائها والصلاة في مساجدها التاريخية السياحية، الرائحون الغادون إلى إسبانيا بحجة زيارة الآثار الأندلسية، وأولئك المجعجعون باستعادة الأندلس بين الحين والحين، المدلون ببلاغاتهم الغبية عبر الفضائيات التي تجيد الدندنة بهذه التصريحات التي تعتبر أغبى من أصحابها، الخارجون على القانون والأخلاق والمنطق وزورا وباسم "الجهاد" الذي تم الإجهاز عليه على أيديهم!، أين هؤلاء جميعا مما يحدث تحت صمم العالم وعمى بصره وبصيرته فيما يُطَبَق في فلسطين من تفاصيل المسرحية القشتالية القديمة التي نشهد هولها في أرض فلسطين الضائعة المستباحة على أيدينا وأيدي الصهاينة، الذين خلت أمامهم الساحات من المجاهدين الحقيقيين إلا من رحم ربي، وباع الحكام القضية بأبخس الأثمان وجلسوا يتفرجون على حوبة الشعوب وتخبطها في أقذارها الاجتماعية لا يقدمون جوابا ولا يحركون ساكنا، اللهم إلا التنديد غير شديد اللهجة، والاعتراض غير عالي النبرة، ورفع الأمر إلى هيئة الأمم المتحدة، وليّة الأمر، التي لا تحل ولا تربط إلا بأمر من الصهيونية العالمية التي تحكم أربعا من الدول الخمس التي تتمتع –ولا ندري لم!- بحق "الفيتو" من دون سائر بني البشر القصر العاجزين عن الحل والربط.
الصفحة 125 من 432