ي لحظة من استعجال ضروري ، ووقت بدأ ينفذ أصرَّ على البحثِ عن بطاقته الشخصية بعد أن فتش كل الأماكن المتوقعة لوجودها في جيوب بنطاله والجاكيت القديمة ، والشنتة المركونة في الزاوية ، سحب نصف ثياب خزانته وفتشها قطعة قطعة دون فائدة ،ارتبك وشتم حظه الذي عاكسه ، وكأن الوقت وحش يكشر عن أنيابه
فرخت عقارب الساعة موعد اللقاء الذي انتظره شادي بفارغ الصبر، وتفاعل مع وجدانه كقصيدة غزل ، شحنته ملامح خطيبته بشعور غريب عجز عن ترجمته ككل مرة يستعد للذهاب إليها ، اعتاد النظر إلى القرية من بيته الذي يطل على محيطها كرادار ، مسكته لهفته من أذنيه ، واندفع كشاعر يتتبع الحروف نحو قافية مطيعة لإلهامه، مع أول خطوة باتجاه بيت خطيبته الواقع على سفحِ تلٍ مقابل لبيته ، انتفض قلبها وارتطم بجدران صدرها ، وأخبرتها حواسها أنه آت إليها كأغنية تحبها.
ليست الحكمة أن تعرف الطريق, بل أن تمشي فيه.هكذا طفقتُ أوسْوِسُ لصاحبي إلى أن بدأت الفكرة تختمر في رأسه.
أخيرًا, نجحتُ في بث اليقين في صدره أنّ الزحام على هذا الطرف من الشارع خانق وأنّ الوجوه بائسة مُثقلة بأخبار ويلات, حروب ومجاعات. ناهيكَ عن الظلال التي تصطدم بي من كلّ صوب فتشوّه معالمي, وتطرحني في ظلمات الحيرة, لا أدري أأنا ظلّ أم مجرد انعكاسات عبثيّة لهذا الرجل اليافع!
بعد عقود من التجوال العقيم ،عثرت الحاجة هادية على كلمة السر ،وفهمت أن مفتاح الوطن ليس كمفتاح الدار ، يسهل استنساخه من دكان الحداد .
وعندما أسندت قامتها المنحنية ، صدرت عنها زفرة تتصدّع لها الجبال ونظرت في يدها التي خلت من خواتمها الصغيرة بعد أن ضاعت في العجين ،وتحسست شحمت أذنها وأحست كأنها تنزف من جديد عندما صنع لها مستوطن شرما بعد أن شد القرط وانتزعه ورماه .