كان بالأمسِ يجلسُ على قِطعةِ حجرٍ صغيرةٍ قربَ رصيف الحيِّ المدمَّرِ في بيروت، مغضَّنَ الجبين ، أسمره. علىوجهه سمات المفكر الفيلسوف في مخيِّلتِك، يحادثُ نفسَه بلا صوتٍ، عيناه تخبران مخاضَ أمرٍ جلل.
لم يكن حليق الذَّقن ، و لم أره مرةً كذلك، ربما لا يملك أدوات حلاقة . شعراتُ لحيته الجعداء غالباً ما تتلاقى رؤوسها عند تلاقي ضفتي أُخدودٍ ما.
أفلتت الطائرة الورقية من يد سامي وسحبت ذيلها الطويل خلفها تقودها الرياح فوق المدن و البلدان .
طارت فوق مدينة جميلة قرب المحيط الأطلسي فرأت منارات المساجد في كل مكان تردد الله أكبر .. الله أكبر .. وسمعت أجراس الكنائس ترنم موسيقى هادئة ..
سألت الطائرة الورقية إحدى الحمامات الطائرات قربها :
ـ ما اسم هذه المدينة أيتها الحمامة الجميلة ؟
ـ اسمها مدينة فاس
ـ فأس .. فأس ..
ـ لا ليس فأساً لحفر الأرض بل فاس .. فاس..
كان التلاميذ يلعبون في باحة المدرسة وكان أحمد لا يلعب معهم . فهم يسخرون من شكل جسمه السمين جدا فكر أحمد بنفسه وبالأولاد .. وقال لنفسه : انهم أولاد مجانين ..
قال عقلة : لا بل هم مساكين .. لا يفهمون .
قال أحمد : لماذا ؟ ..
تعبد رجل وزهد في الدنيا , وبينما هو في معبده جاءه ملاك , ليختبر زهده وعبادته , فقال له :
- إن الله قد أباح لك أن تسأله ثلاث مرات , بشرط أن تسأله كل مرة حاجة واحدة لا غير , وسيستجاب لطلبك مهما كان الأمر .
فرح الرجل , وظن أن الله كافئه على زهده وعبادته , فترك المعبد وأسرع إلى زوجته يخبرها بأمر الملاك ورضا الله عنهما , وكانت امرأة فقيرة مثله , ففرحت هي الأخرى , وتوسلت إليه أن يجعل السؤال الأول لها , فقال :
في يومٍ مِنَ الأَيَّامِ ، كانَ هنَاكَ سيِّدٌ غَنِيٌّ جِدَّاً ، و كانَ له ثلاثُ بناتٍ.
في أَحد الأَيَّامِ ، أرادَ معرِفَةَ مَنْ مِنْهُنَّ معجبَةٌ بِهِ ، و تُحبُّهُ أَكثر! فسألَ البنتَ الأُولى : كمْ تُحبِّيني يا عزيزتي؟
أجابَتْ: أُحبُّكَ قدْرَ محبَّتي لِنفسِي.
قال: هذا جيِّدٌ.
و سألَ البنتَ الثَّانيةَ: كمْ تُحبِّيني يا عزيزتي؟
أجابت : أُحبُّك أكثرَ من أَيِّ شخصٍ آخرَ في العالمِ.
قال: هذا جيِّدٌ.