يومٍ من الأيامِ ، في قديمِ الزمانِ ، كان هناك رجلٌ و زوجتُهُ يعيشانِ في بلدٍ بعيدٍ.
و كان لديهِما أبناءٌ كثيرون جداً، لم يستطيعا توفيرَ الطعامِ الكافي لهم جميعاً فقررا تركَ أصغرَ ثلاثةِ أبناءٍ في الغابة ليتدبروا حياتهَم، بعد أن أعطيا كلاً منهم رغيفَ خبزٍ واحدٍ.
كانوا ثلاثَ فتياتٍ . ذهبن في الغابةِ و هنَّ يأكُلنَ الخبزَ حتى دبَّ الظلامُ، و انتهى الطعامُ، فتعبْنَ و تُهنَ و جِعنَ.
أخيراً و بعد مشيٍّ متواصلٍ لاحَ بين الأغصانِ البعيدةِ نورٌ يشعُّ من نوافذِ بيتٍ كبيرٍ، فأسرعنَ حتى وصلنَ إليهِ ، و قرعنَ جرسَ بابِهِ الكبيرِ جداً، فخرجتْ امرأةٌ وسألت:
- مَنْ أنتُنَّ ،و ماذا تُرِدْنَ أيتُها الصغيراتُ؟
"على الرّغم من دَمَعاتٍ ناعِماتٍ تترقرقُ على وجنتيه حينما يستقبلُ الكَعْبة.. إلاّ أنّه لايَزالُ يعيش غُربة مأساوية مع الله و الكون"
تأبّط شزَراً..!
وانتحى..
إنّ قلبي يحاولُ التفسّخ عن فرائصي، هل تسمعون الصرير عندما أرتفع! أتلقّح بلوَثِ الاندِثار و الاضمِحْلال و التّلاشي و الخُفوت و النّفي و الازدراء و الاستحقار و الانتقاص فالمهاجَمة و الاقتلاع و الخلْع و الفجور؛ مَحْضَ قشعريرةٍ ملعونةٍ تتشرّب النّسيج المُتناهي في الصّمود لأدَمة إنسيّة بلاستيكيّة فلا يُحسّ بهذه البشاعة المُرتكَبة الخرقاء غيري أو جُنديٌّ يحتضرُ طويلاً على جبهة حَرْب شعواء.
(1)
الأربعاء 31 من مارس 2004م:
دخلت مكتبة «جرير» أبحث عن بعض الكتب، لأستكمل بحثي الذي أعده لملتقى أدبي في الأردن يُعقد بعد شهر..
لم أجد جديداً..
هذه الكتب لديَّ في مكتبتي..
فلأعد إلى البيت لأشاهد برنامج «بلا حدود»، .. حاولتُ أن أتذكّر اسم الضيف فلم أستطع!
شكت لي صديقتي الجميلة أنها تعاني من مشكلة عويصة، فلديها الكثير من المعجبين والمحبين،لكنها لا تحب أحدا منهم لذا تشعر بالفراغ والملل، سألتها: ألا يرضي غرورك هذا العدد الكبير من المعجبين؟!أجابت وهي تشير إلى وردة جورية أمامها: أنا أحب هذه الوردة ، وأحس بمشاعر رائعة تجاهها، لكن الوردة لا تشعر بشيء تجاهي ، فماذا يفيدها حبي؟!الذي يحب هو الذي يستمتع بالأحاسيس المرهفة الرقيقة حتى حين لا يتجاوب معه الطرف الآخر ، الفاعل دائما أقوى من المفعول به
لاحظت من طرف عينها شدة توتره الزائدة ، فتوجست خيفة، و بدأت أسوأ الظنون تغزو هواجسها ، هل تعرَّض يا ترى للتوبيخ مرة أخرى بسبب انصرافه المبكر جداً من عمله كي يحضرها من هذه المدرسة البعيدة !!
"يا لهم من بشر غير متفهمين!!"
لو كانت زوجة المدير تعمل مدرِّسة مثلها لحنَّ قلبه عليهما ، و لكن لابد من إيجاد حل للمشكلة، لابد..
همّت بالحديث معه لكنها آثرت الصمت فسرعته الزائدة و توتر أعصابه قد يتسببان بحادث لا تحمد عقباه ، على الأقل قد يتهور أكثر بالقيادة فينحرف عن الطريق و يقف فجأة ليبدأ المحاضرة اليومية الذاخرة بالشتائم ، على التعليم و من حفَّز المرأة على العمل ، لكنه سيهدأ عندما يتذكر أنه من اختارها معلمة بل و برغبة جامحة، فمن يتزوج معلمة براتب لا يقل كثيراً عن مرتبة له حظ كبير في رغد العيش في ظل بطالة تزداد يوماً بعد يوم للشباب أنفسهم!
عندما رآها مصادفةً على مدخل محطة مصر، رجعت إلى ذاكرته ثلاثون سنةً من الوجْدِ والانتظار. صاح في قلبه توق قديم إلى وجهها الأبيض الجميل الذي لم يُغيره الزمن:
ـ نادية حمدي؟! .. غير معقول!
أشرقت في عينيها ذكرى قديمة، أن تُخرج له مسرحيته الفصيحة «الثائر» في «بيت القاضي» بين الدور الأثرية المُغلقة، بعد تجاربها في إخراج مسرحيات أخرى بالعامية لنعمان عاشور، وسعد الدين وهبة.
صاح في ملامح صوتها حب قديم:
ـ محمود عماد؟!!
ما اضطربت ابنةُ الثالثة والخمسين، وهي تقول في جرأة حسدت نفسها عليها:
ـ ظللتُ أنتظرك عشرة أعوام .. فلماذا تأخرت عشرين سنة؟!
الحرب ألبستني صفات لم أكن أعلم معناها....
تردد المذيعة ذات الصوت الرائق: "وهذه الأغنية مهداه إلى أبطالنا الشجعان على الجبهة". ولأنني ضمن أفراد جبهة السويس, فهي تخاطبني حتما .. إنها الشجاعة إذن!
يأمرنا الضابط الشاب العفى بأن نهيل الرمال نسد بها عين الشمس, أعنى تلك الحفر المنتشرة في صحراء الوحدة. يعود ويأمرنا بإعادتها وتجريف الحفر نفسها ثانية, فتحاصرنا هياكل لا تعد من الأهرامات الرملية. يسعد لفعلتنا الغامضة, يخبرنا في عزة واعتزاز: "فتوة, وقوة .. يا شباب". يبدو أنه يصفنا بالأقوياء!