(فازت هذه القصة بالمركز الأول عن فئة القصة القصيرة في مسابقة وزارة الدولة لشؤون الشباب "نبقى"، مارس 2014)
"أنت كُبيْتيّ؟"، يسألني سائق الأجرة بفضول لزج. بوسعي أن أرى عينيه تلمعان وهو يراقبني من مرآته.
أهزّ رأسي على مضض. وددت لو أفعل مثلما يفعل صديقي الذي كان يخادعهم بقوله:
"I'm from Dahya."
لم يكذب، فكثير من المناطق في الكُبَيْت يسبق اسمها كلمة "ضاحية"! وحينما كانوا يستفسرون منه عن "داهية" هذه -ظانين أنها دولة- كان يقول لهم أنّها مكان صغير في قارة آسيا. ما أظرفه! كيف جاء بهذه التورية؟
لا أجدني متحمسا لاستخدام التورية، فسمرتي الطازجة تفضحني. كيف يمكنني إخفاء آثار النعمة، وبلدي أحد الأقطار العشرة الوحيدة في العالم التي ما زالت تنعم بالشمس؟
"لكل حرب لغة، ولكل لغة قاموس، وقاموس الحرب متسع باتساع مآسيها، ولكل مأساة حكاية ولكل حكاية عنوان. وقت الحروب يجب أن يضحي الجميع وأن تختفي لغة الأنا، فإنها إذا ما ظهرت فستصبح العواقب وخيمة ولو على مر السنين".
"ألبرت" عامل التذاكر في محطة القطار الليلية في مدينة لندن، دائمًا ما يعمل ليلاً على الرغم من أن له الحق أن يبدل ورديته شهريًّا ولكنه لم يطلب ذلك أبدًا، هو شخص منطوٍ وطيب جدًّا لدرجة مخيفة، سلبيٌّ إلى أبعد الحدود، يخاف من أي شيء وكل شيء.
يعيش "ألبرت" مع أخيه وزوجته وابنهما الصغير ذي التسعة أعوام "فريد"، وهو لم يتزوج إلى الآن، ودائمًا ما يغلق عليه بابه ولا يجلس مع أخيه وزوجته كثيرًا، حتى ابن أخيه لم يكن يتكلم معه كثيرًا، بل على النقيض لم يُكِنّ فريد لعمه ألبرت أيَّ احترام أو تبجيل، بل كان يراه ضعيفًا وخائفًا وكسولاً.
"هتلر" وحلم "رايخ" الألف عام، بدأت الحرب العالمية الثانية في الظهور بعد الحرب الألمانية البولونية للسيطرة على مضيق "بولونيا" ومدينة "دينتغرى" وضمهما للإمبراطورية الألمانية، وبدأ "هتلر" في تنفيذ مخططه الجهنمي للسيطرة على أوروبا، وهبت أخبار الحرب على العالم كالصاعقة؛ لأن الجميع يعرف أن هذه الحرب ليست كغيرها بل إنها بداية النهاية.
- في الولادة القادمة نريده مولودًا ذكرًا.
وجمت الوالدة فور انصراف الزوار، فضمها زوجها بود صادق وابتسم وقال: أمعي أنت ِ أم معهم؟ تعرفين كم تمنيت مثلك الإناث من قبل ولادة عروستنا الأولى، وتكفينا بشارة سيدنا وقدوتنا التي لو يعرفونها لما قالوا ما قالوا، أنا لم ولن أهتم لكلامهم.
وتمضي الأيام وذوو القربى - من الجهتين - يُظهرون الحب للبنات الصغيرات ثم يتفوهون بتكرار بما هو أقرب للعزاء للوالدين لأنهما لم يرزقا بالذكور.
لا ترجوني أن أتكلم، فليس لدي القدرة في أن أعثر على بداية للحديث! واختصر فيها أحداث الأشهر المرّة، فقد كنت على مدار الزمن الماضي القريب تسمح لنفسك أن تعبر عما تريد، وتفرض عليّ الحصار، وتغتال الصوت البريء، وهو يتلوى بالآهة! لا يجد من يكشف كربه، ولا من يصغي لمقالته.
وفرضت عليّ الحياة التي لم تدع لي فيها مساحة ليشعر الغريب أن له دولة تمدّه بالعطف، وتسكب في عينيه الصفاء، وترسخ في قلبه الانتماء! لكنّ الذين يقدمون على الظلم لا يشعرون بمرارته، بل إنهم حين يظلمون لا يرون إلّا المتعة، ولا يذوقون غير اللّذة والنشوة برؤية آلام الآخرين، وسماع بكائهم وعويلهم!
كانت الشمس تحصد ما تبقى من ساعات النهار، وتختبئ خلف الغيم المسافر كلما اشتدّ الريح، وأخذت الأشجار تتناوح حين وضع رأسه بين يديه، وهرب إلى كتبه المبعثرة، وأعاد قراءة الرسالة من جديد، ثم يتمتم والحزن ينعصر دمعًا من مقلتيه: قليل من الناس يقيس الزمن بمساحة الحدث، ولربما يمرّ قرن كامل لا يثير في نفسك كما يثيره مرور يوم واحد!
صداقة النقائض
وضعوا الجمرة على قطعة الصقيع وانتظروا. وعلى عكس المتوقع، لم يحدث شيء لأي منهما؛ لم تتبخر الأولى، ولم تنطفئ الثانية!
كان التطرف هو العامل المشترك الوحيد بينهما، وكان -هو نفسه- عامل التعايش. لقد تعاطفتا، ثم توطأتا معا، وكفت كل منهما أذاها عن الأخرى.
دجل
كبرت البطة القبيحة ولم تتحول إلى بجعة حسناء كما تقول القصة. اضطرت في نهاية المطاف إلى إجراء سلسلة من جراحات التجميل.
يتقلب ( كنعان ) قلقاً في صلب أبيه ، لايهدأ له حال ، كثير الرحلة ، مشوش البال ، يهدر الصمت في جوفه ، صرخاته تتمدد على حساب صمته فينقلب عليها الصمت ليلفها في غطاء سميك !
يفرح بالنور ينبعث من عمق ذاك المضيق الممتد فتشرق بسمته أملاً في امتداد الضوء ليعم المكان ولكن أمراً ما لا يفقهه ( كنعان ) يُلجأ النور إلى نقطة ضيقة حوافها عالية جداً كأنما دقها رأس مسمار تعمق بداخلها فتجوفت وتجوف معها النور ، وسرعان ما تنبت له أصابع منمنة تتلمس جدار بئر المسمار فتصعد إلى الأعلى لكنها تعود وقد أدمتها أحذية الجنود ، تدوسها فتسحق نضرتها لتنسحب إلى الداخل وتترك بصمات الدماء لتجف للمرة الألف على حافة البئر !
حمامة بيضاء رقيقة أسقطها حظها تحت تمساح في مستنقع آسن، ومن فرط براءتها ظنت اتساع فمه ابتسامة فاطمأنت ومكثت ترقب السكون الذي يتقنه التمساح. مضى الوقت والسكون وتجلت الحقائق. وجد التمساح الحمامة البيضاء مصدرًا لإشباع غريزة جوعه ووسيلة لإرضاء وحشية طبائعه وجوارحه، فاستبقاها حية لكنه ألقى بثقله عليها وجعل ينتف ريشها بمخالبه ويضربها بلسانه الخشن ويقلبها بين فكيه وأنيابه متلذذًا برائحة دماء جراحها وبأنينها المتقطع، حتى أعجزها عن الطيران والقفز. كان يشبع وأقرانه من الفرائس المنجذبة نحوها فيتسلى بالحمامة الجريحة المعطلة ويتريض بجوارحه عليها، فلا يشفى لها جرح ولا ينمو جناح لداوم العنف ليل نهار، وظلت تنزف وضعف سمعها وبصرها وتعطلت أنفاسها وخواطر عقلها وركنت إلى السكون ليقل الهياج والتنكيل. اندثرت آمال حمامة السلام في النجاة وهي ترى انصراف المخلوقات إلى التمساح واهتمامهم به واستدبارهم لها فيئست منهم ولم يبق لها هم إلا العيش حتى تشتد اصلاب فراخها وتنأى عن المستنقع. بعدها فقدت الحمامة باقي قواها وحواسها وتمكنت الأمراض من كل أعضاءها وانتظرت نهايتها.
الصفحة 8 من 43