يلح علي منذ سنوات سؤال هو : ماذا أعطى الإسلام للبشرية ؟ ورغم أن الإسلام الوحي السماوي المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، أكبر من أن يوضع موضع الاتهام أو يحتاج إلى من يدافع عنه ، إلا أن مسئولية تجلية حقائقه للبشرية مسئولية إنسانية تختلف اختلافا تاما عن وعد الله لعباده بحفظ الذكر . وثمة خلط يقع فيه كثيرون عندما يتحدثون عن عطاء الإسلام الحضاري في مسيرة البشرية ، إذ يعددون ما أنجزه المسلمون : علماً ، وتفلسفاً ، وتوسعاً ، وثراءً ، و... بوصفها عطاء الإسلام الحضاري .
وجمعيها منجزات مدنية لعبت العقيدة الإسلامية ، برؤيتها : للذات والآخر والكون وما وراء الكون ، والشريعة بأحكامها دورا كبيرا في تهيئة المناخ لظهورها ، لكن هذا العطاء هو في النهاية عطاء المسلمين كبشر تفاعلوا مع منظومة معرفية متكاملة فيها أبعاد ما ورائية وأخلاقية وقواعد تنظيمية أتاحت المناخ للعطاء الحضاري ، ولكنه يظل مرهوناً في تحققه بالناس الذين يتفاوت تفاعلهم، مع الفكرة من ناحية ، ومع الواقع من ناحية أخرى . ولذا فإن للإسلام عطاء حضارياً لا دور للمسلمين فيه إلا تجسيده ، وهو أمر يتفاوت نجاحهم فيه صعوداً وهبوطاً .
(1)
بعد أكثر من ثلاثة عقود من الزمن ، بعد رحلة صامتة خاضتها الكلمة المحكومة باللانطق ، الكلمة الممنوعة من التعريف بهوية المنجز الذهني ، الكلمة الممنوعة من الصرف، أو ربما نستطيع القول الكلمة المحكومة بالعقم ، ليس العقم بمعناه التقليدي، بل العقم القسري المنسوج وفق إرادات ورغبات تؤدي بالفعل لخدمة السائد من المؤثر ، أو المعرقل الذي يأتي مشتقاً من فكرة الحاجز أوالممانع ، هذا المصطح أو ذاك وربما كل تلك المسميات وإذا تماديت في تشويش المعنى ، قلت كل تلك الإشكالويات التي أستعيرها مجبراً من قواميس ومعاجم خضير ميري الحي الميت قبل هذا التاريخ والميت الحي بعد هذا التاريخ ، بعد كل هذه الرقصات المجنونة التي أدّتها فرق الموت فوق تربة سماّها عابروا سبيل حسداً بأرض السواد ، سموها بهذا الإسم بعدما ذابت صفرة وجوههم واختفت تجاعيد جلودهم التي دبغتها الشمس على ضفاف دجلة والفرات ، سموها أرض السواد ومضوا بسواد وجوههم ، بعد كل هذه الإحتفالات لابد من قراءة ما تبقى من لوحة حمورابي ، أقول ما تبقى لا يقيناً بما ذهب ، ولا يقيناً بما أكله الدمار ، إنما يقيناً بما تبقى منيّ أنا الذي أتظاهر بإنسانيتي ، ما تبقىّ من إمكاناتي وقواي الحدسية التي ربما لم تعد قادرة على إدراك ما هو يقيني وأزلي .
هناك من يحصر مشاكل هذه الأمة في مدى تمادي الحاكم في سياسته الطغيانية واستحواذه على زمام القرار السياسي.. واستيلائه على مقدرات الشعب وسلبه كرامته ،ودفعه نحو العراء والجوع.وهذا صحيح ليس في ذلك من شك.لكن في واقع الحال أن الحاكم لم يأت من السماء أو خرج علينا من مجرة لا ندري من أين هي.وحتى الحاكم نفسه الذي نلقي عليه باللائمة على أنه انتقل بنا نحو الانهيار السياسي بتجريدنا من آدميتنا وقتلنا أدبيا قبل أن يقتلنا شنقا بعد أن نعيش أياما أو سنينا مع الجرذان داخل المغارات في سجون بنيناه بأيدينا.ليس أمامه صراحة غير تبني العمل الديكتاتوري حيالنا ما دمنا نعترف بأنه من جلدتنا ومن أبناء دارنا.
كثيرا ما يثار لغط وجدل حول موقف الإسلام من المرأة، وسببه الجهل بهذا الدين، أو التشبث ببعض العادات والتقاليد الفاسدة، وعلى العموم فالمرأة شريكة الرجل في الحياة، وفي المسئولية، وفي التكاليف الشرعية، وما من رجل إلا ولدته امرأة، ولذلك قال الإمام علي:
أنا الذي سمتني أمي حيدرة
فتكريم المرأة ما هو إلا تكريم للرجل أيضا، والعلاقة بينهما علاقة حب وتكامل وتعاون وليست علاقة حرب واستعباد، وفيما يلي بعض النصوص التي تثبت ذلك:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء /1)
العرب أقوياء ومبدعون ، علينا أن نؤمن بهذه المقولة ونعمل على ترجمتها إلى حقيقة وواقع حال كما فعلت الكثير من الأمم والشعوب ، هكذا ارتأت تلك الشعوب أن تحدد لها مفاهيم وقناعات وتعمل على تجسيدها إلى ملموسات وحتى إلى بديهيات تنطلق منها نحو تحري واستقصاء ما يمكن أن تحققه في ظل عصرنة أو عولمة العالم واليوم ، والعرب ليسوا بحاجة إلى أبتداع مفاهيم وفلسفات تثبت قوتهم وإبداعهم وتميزهم ، إنهم حقاً يتميزون بالقوة والإبداع ، ولا أعتقد أن اثنين من العرب يختلفان على ذلك ، ولكن المفارقة التي دائماً تخيبها الفراسات والفلسفات العربية هي في تحديد الظروف والمنطلقات التي من خلالها يمكن تحديد مفاهيم القوة والتميز لدى هذه المجموعة التي تحمل إسم العرب،
التحدي العولمي المعاصر لم يعد أمرا خفيا أو سطحيا ، فهو يعمل على كثير من الجبهات، ويتحرك بنشاط وفاعلية وقدرة كاملة لأسباب كثيرة مدته بالقوة والحيوية مما وفر للقوي إمكانيات الهيمنة وأعطى للضعيف ذرائع الاستسلام. المرحلة الآن ليست عادية وشعارات الخوف على المستقبل والخوف على التراث والحضارة والثقافة والفكر ... هذه الشعارات الرنانة الكبرى التي نسمعها.. أصبحت عديمة الجدوى.. وعقيمة المفعول في زمن لا يعترف بغير الأقوياء.
كلما قرأت عن سيرة اليهود على كثرة جرائمهم وتقززي منها ..شأني شأن أي مسلم له خلفية مسبقة حول مسار حياة اليهود على مر العصور .. إلا ووجدت نفسي محتارا بين خطنا كأمة تدعي أنها خير من الناس وان لها منهج رباني متميز عن كل المناهج وبين خط اليهود الذين أوصلوا الفكرة إلى قاع الفعل ومازجوا بين النظرية والتطبيق.. فسادوا ثم سوَّدوا حياة الآخرين.وعلى تلفيقات هذا الجنس الذي عوّم