مما لاشك فيه أن تحرير أي أسير فلسطيني من المعتقلات الإسرائيلية ، يشكل ترجمة لواحد من أهم الثوابت الفلسطينية . صحيح أن عملية التحرير الأخيرة لم تكن بحجم طموحات الفلسطينيين ، إلا أنها أدخلت فرحة ما ، وإن كانت مبتورة إلى القلوب التي ما زالت يعتصرها ألم اعتقال أحبائها ، والذين تجاوزت أعدادهم الأحد عشر ألفا .
كتبت المقالين السابقين محذرًا من تغلل الفكرة الصهيونية اللا إنسانية في صحافتنا المحلية بقصدٍ أو دون قصد، عبر مجموعة من أصحاب الزوايا الصحافية التي تعترف بالكيان الصهيوني المحتل، وتعتبر المقاومة الفلسطينية عملاً (غير حضاري) في كثيرٍ من الأوقات.
هل من المقبول أن تتخطى بفظاظة طابور الانتظار في جمعية تعاونية لتدفع ثمن مشترياتك أو في جهة حكومية لرغبتك بإنهاء معاملة ما؟ أو أن تردّ شخصا استأذنك بأدب أن يقف أمامك بالطابور لاستعجاله أو لظروف أخرى؟ أو أن ترد على من أخطأ بحقك دون قصد بالصياح والصراخ والتهديد والوعيد أمام الناس؟ أو أن تزعج امرأة كبيرة بالسن تسير أمامك بتأن لأنها كانت تغلق الطريق الذي تريد المرور منه؟
يفد إلى الدول الأوروبيّة المانحة للجوء شهريّا عشرات الآلاف من طالبي اللجوء السياسي والإنساني ومعظمهم من العالم العربي والإسلامي والثالث , وحتى يحظى طالب اللجوء بالقبول وبالتالي حقّ الإقامة والعمل والمساعدة الاجتماعيّة – عبارة عن راتب يقدّم للاجئ وهو يكفيه لمأكله وملبسه - في هذه الدولة المانحة للجوء يجب عليه أن يعريّ وطنه والمؤسسات الحاكمة فيه تعريّة كاملة تكون كفيلة بذكر مئات المعلومات عن تركيبة نظام الحكم والعوائل أو جماعات النفوذ الصانعة للقرار السياسي وخارطة التيارات السياسية ومفردات هذا المذهب أو ذاك وللإشارة هنا فانّ من جملة الأسئلة التي يسألها المحققون الأمنيون لطالب اللجوء هل أنت شيعي أو سني أو بهائي أو زرادشتي اذا كان طالب اللجوء قادما من إيران مثلا .
هل تذكرون رواية غسان كنفانى" رجال فى الشمس "االتى تحولت إلى فيلم لا يمكن أن ينساه كل من شاهده حيث كان يحكى أزمة ثلاثة فلسطينيين "علقوا" في خزان مياه فارغ على الحدود العراقية الكويتية فى 1948 فاختنقوا وانسلخوا بلهيب حرارة قيظ أغسطس وماتوا بداخل الخزان فى الصحراء قبل الوصول هرباً إلى الكويت ،ولابد و"العالقين بالعالقين " يذكروا أن تتجه ذاكرتك أيضاً نحو العالقين في مخيم الرويشد على الحدود الأردنية العراقية هربا من ميليشيا جيش المهدي في العراق منها إلى العالقين على معبر رفح الآن والعائدين لتونا من عندهم أيضاً، وكأنه كتب على الفلسطينيين أن يكونوا عالقى هذا العصر !
تكلمت في المقال السابق عن خطورة الترويج للمزاعم الصهيونية، ووجوب التثبت قبل إلصاق التهم بالمكافحين للمشروع الصهيوني العنصري والعدائي، وضربت لذلك مثالاً هو ما سطره الكاتب صالح الشايجي من اتهامات خطيرة موجهة ضد فصيل إسلامي وعربي في حالة حرب مع كيان غاصب.