مع كل منعطف في تاريخ الصراع العربي الصهيوني تبرز الحاجة لإعادة النظر في مدى كفاءتنا في إدارة هذا الصراع ومدى قدرتنا على صياغة الخطاب السياسي - والثقافي - الأكثر قدرة على نصرة الحق العربي في مواجهة بنية من الأكاذيب والخرافات هي موضع إلحاح مستمر منذ اكثر من قرن من الزمان منذ انعقد المؤتمر الصهيوني الأول ( بازل ) . ومن القضايا التي احتلت موقعا مركزيا في الرؤية الصهيونية وتم استخدامها على نحو واسع للترويج للمشروع الصهيوني غربيا قضية الهولوكوست . ومؤخرا نظمت جهات في الكيان الصهيوني رحلات لشباب فلسطيني إلى معسكرات الإبادة النازية في ألمانيا وهلل الإعلام الصهيوني لما عبر عنه الفلسطينيون من تقدير لمعاناة اليهود على يد النازي وهي إحدى أهم الحجج الزائفة التي استخدمت لتبرير المشروع الصهيوني . وتقتضي مواجهة الاستخدام السياسي للهولوكوست وما يصاحبه من إرهاب فكري لإعادة بناء موقف عربي أكثر دقة وتماسكا من القضية .
من وظائف النكتة أنها تعتبر أسلوباً من أساليب التنفيس عن المشاكل التي يفرضها الواقع اليومي، لا سيما إذا كان مرّاً. وقد أدت النكتة بمجتمعنا المغربي دوراً مهماُ في الحقل السياسي والنضالي. ومنذ ثلاثينات القرن الماضي التجأ الوطنيون إلى إخراج التمثيليات الفكاهية والهزلية لتمرير جملة من المواقف والأفكار كان من المستحيل تمريرها عن طريق الكتابة أو عبر الصحف أو بواسطة المحاضرات العلنية.
عندما تمّ خطف صحفيين فرنسيين في العراق – والذي أدنّاه وشجبناه جميعا كإعلاميين عرب – قامت الدنيا ولم تقعد , و تحركّت كل العواصم العربية و الإسلامية و طالبت الخاطفين بإطلاق سراحهما بإسم الإسلام و الإنسانية و القيّم العليا .
ولقد أصبحت قضيّة الصحفيين الفرنسيين هي القضيّة المركزية للجمعيات الإسلامية في فرنسا و معظم العواصم الغربية , وخرجت تظاهرات في كل الجغرافيا الغربية تطالب بضرورة إطلاق سراح الصحفيين الفرنسيين , بل إنّ بعض الرؤساء العرب تبنوا قضية الصحفيين الفرنسيين وحركوا كل القنوات السياسية والديبلوماسية والأمنية لأجل إيجاد حلّ عاجل لقضيتهما .
خلال عملي في مجلة الدوحة في مطلع الثمانييات لم أكُ أعجب لأن نصف الكمية المطبوعة منها كانت توزع في السودان، وفي ذلك الزمان كانت مجلة روز اليوسف توزع في السودان 65 ألف نسخة، وهو في تقديري ما يعادل مجموع التوزيع اليومي لسبع صحف سودانية مجتمعة في الوقت الراهن، وكنا نحرص على شراء الأهرام خاصة في اليوم الذي كان فيه محمد حسنين هيكل يكتب فيه عموده الأشهر "بصراحة"، ويوم الثلاثاء كنا نشتري "أخبار الأسبوع" المصرية، ومن سبق لبق، يعني ما لم تكن موجودا حول الكشك لحظة وصول الصحيفة فلن تحصل على نسخة منها
هذا المسطح الازرق الهادئ كان منذ القدم مبعث الجمال في نفوس المتأملين ومصدر الإلهام لقرائح الشعراء، ولطالما كانت اشعة الشمس الذهبية المتكسرة على صفحاته المترقرقة المنظر الخلاب المفضل في لوحات الرسامين وتصاوير المصورين، فعلى امواجه كتبت الخواطر، وفي رحابه نظمت القصائد، حتى غدا معلم الرومانسية الاول وقبلة الحالمين الوالهين الذين يجدون في الوقوف على شطآنه ورماله الذهبية سلوة همومهم وبلسم جروحهم! لكنه في ذاك الاحد الدامي لم يكن كذلك ألبتة! فقد كان اشبه بالغول المتوحش المتعطش للخراب والدمار، لا تأخذه في الانام رحمة ولا تدركه في الديار شفقة، فاجأ الغافلين النائمين على فرشهم واصطاد طلاب الراحة والاستجمام فحان على يديه حينهم، وحين انحسرت موجاته وعاد ادراجه تكشفت (رغوة) اليم عن هلاك (صريح)، فالضحايا قارب عددهم المئتي ألف، وغابت عن الخارطة قرى وأقاليم امست اثرا بعد عين، واما الخسائر المادية فبمئات الملايين!
إنّ الليبيراليين الجدد قد أتقنوا بإحكام وبدقةّ في جلب المستعمر إلى بلادنا وأجازوا له أن يمارس الفساد السياسي و الثقافي و الإقتصادي و الأمني في بلادنا العربية و الإسلامية , وهم عاجزون عن تقديم أي مشروع ثقافي وفكري ينهض بهذه الأمة , بل هم في الوقت الذي يتبجحون فيه بالمشروع الديموقراطي يقبضون أموالا بالجملة والمفرّق من أعتى الدول الملكية و الديكتاتورية في العالم العربي والإسلامي .