أهاج انقطاع الكهرباء في البحرين قبل بضعة أيام، وهرب بعض سكانها إلى المنطقة الشرقية بحثا عن "التكييف" شجوني الصيفية،.. وهناك كثيرون في بلدان عربية كثيرة سيقولون إن أهل البحرين "مدلعون" ولم يصبروا على الحر بضع ساعات، ولهم العذر في إطلاق ذلك النعت القاسي على البحرينيين، لأنهم لا يعرفون ماذا يحدث عندما تتحالف الحرارة مع الرطوبة، ولأن من لا يعرف نعمة تكييف الهواء، يحسبه ترفا ودلعا لا لزوم له!! وكما قلت بالأمس فإنني لا أطيق الحر ولا أطيق "سيرته"، بل لا أتابع نشرات الأحوال الجوية في الدول العربية في فصل الصيف لأن من يقومون بإعدادها ذوي نزعات إرهابية:
أكثر ما يضايقني خلال الصيف عندما ترتفع درجة الرطوبة إلى فوق المئة في المئة، هو أن يأتيني قريب أو صديق مع عائلته، فما يحدث في مئة في المئة من الأحوال هو أن الضيوف يقررون المغادرة، ونبكش لهم: بدري يا جماعة.. ابقوا معانا شويتين.. زمن ما أتشاوفنا.. أيه رأيكم في كركديه ساخن؟ فيصرون على المغادرة بحجة أنهم يجب أن يكونوا في بيت مصطفى بعد ربع ساعة، وتخرج مع صديقك إلى باب البيت، وتقف معه في انتظار أن تهل ست الحسن حرمه،.. وبعد خمس دقائق من الوقوف أمام الباب مع الزوج تسمع صوت حرمه وحرمك، وتستبشر خيرا،.. لا يضايقني أن يزورني صديق أو قريب، بل أتمنى لو يزورني الناس ويقضون الليل معي ثم يتسللون خارجين في الصباح الباكر بدون طقوس وداع،.. فالنساء يقضين نحو ثلث الساعة في طقوس الوداع:
أهل دبي "شطَّار" في مجال التجارة وجذب الاستثمارات، ما في ذلك شك، بل نجحوا في شفط ما في جيوب أهل منطقة الخليج ببرامجهم التسويقية والترويجية المبتكرة، ومن الثابت أنك تستطيع أن تشتري في دبي سلعة بألف ريال تكلفك أربعة آلاف في دول الجوار،.. كل ذلك أمره هين، وأمر جزيرة النخيل ومجمع شاطئ الجميرة أيضاً هين، رغم أن معظم الوحدات السكنية فيهما آلت إلى علوج من أمثال ديفيد بيكام كابتن منتخب إنجلترا، ولاعب فريق ريال مدريد الإسباني حاليا،.. ولكن الأمور وصلت درجة لا يمكن السكوت عليها، فقد طرحت إمارة دبي الكرة الأرضية للبيع.. نعم فهناك مجمع سكني جديد اسمه "العالم" وبإمكان كل مستثمر أن يشتري البلد الذي يريده،.. هل تصدقون أن البحرين معروضة للبيع بنحو خمسة ملايين دولار؟
ذات مرة، وأنا أتجول في مدينة أبوظبي مع بعض الأصدقاء التقيت بسوداني، وهششت للقائه، ولكن كان باديا أنه لم يعرفني، وبالتالي لم يبادل ترحيبي به بحماس مماثل، واستاء أصدقائي لذلك، ووقفوا بعيدا عنا قليلا تفاديا لتبادل التحية مع رجل لا يحسن رد التحية من شخص يعرفه، ثم تعجب أصدقائي عندما رأوه وبعد تبادل بضع كلمات معي، يتلقفني بالأحضان السودانية التي تؤدي إلى بهدلة الملابس والقفص الصدري، ويتبادل معي أرقام الهواتف،.. وفارقته ولحقت بأصدقائي الذين سألوني عن ذلك الرجل، فقلت لهم إنه كان رئيسي في العمل عندما كنت طالبا وأعمل خلال الإجازات لتوفير مصروفاتي الدراسية.. وشرحت لهم أنه كان مديرا لمحل لبيع الأحذية كنت أعمل فيه.. وسألوني عن طبيعة عملي في ذلك المحل، فقلت لهم إنني كنت "بياعاً"!
إذا أريد للشباب أن يتسلحوا لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين فمن الحكمة أن نفهم جيدا ما جاءت به الأبحاث العلمية حول ماهية وطبيعة تعلم الإنسان قبل أن نذهب بعيدا في أية إصلاحات لأنظمة التعليم الحالية في بلداننا العربية.
وهنا تحضرني مقاربة مفادها أننا جميعا نستخدم أدمغتنا في التفكير كما نستخدم معداتنا في تغذية أجسامنا معتقدين بأننا نفهم كلتا العمليتين جيدا وكأنها من المسلمات. ولكن مع الاكتشافات الجديدة والدراسات والأبحاث التي ساعدت على فهم أفضل لنظم التغذية خلال الثلاثين عاما المنصرمة، أصبحنا نختار أطعمتنا وطرق تغذيتنا بصورة أفضل ولهذا صرنا نعيش أطول ونتمتع بحياة أفضل. وعند النظر إلى الدماغ نرى هذه المقاربة مفيدة حيث تتوفر الفرص لتطوير قدرات الدماغ لأننا في وضع أحسن لفهم وظائف الدماغ التي تتكيف مع التعلم.
دائما تمر مسيرة الأمم بلحظات تغير تقطع مسيرة الثبات القيمي أو التنظيمي التي تحكم تلك المسيرة، ومن الظواهر الصحية في واقع أي أمة أن تؤمن بضرورة المراجعة الدورية والتقييم الصريح للأهداف والوسائل والهياكل التنظيمية التي تنظم هذه المسيرة على نحو يمكنها من العمل على تحقيق أهدافها عبر الاستخدام الأكفأ للوسائل المتاحة. وما تمر به المنطقة العربية الآن لحظة تغير تأخرت كثيرا وعندما حلت بعد موعدها أصبحت استحقاقا معقدا في سياق أكثر تعقيدا. والتغيير خطابا وسلوكا يفتقر إلى بدهيات يبدو تجاهلها في هذه اللحظة شديدة الخطورة بالنسبة للحاضر والمستقبل معا.