(طبعت القصة ضمن فعاليات حملة "نوري اكتمل"، إحدى حملات نادي ريماس للفتيات التابع لمبرة طريق الإيمان)
أجل، أعرف تلك القصة السخيفة المكررة! فتاة فائقة الجمال ذات وجه مستدير وخدين ورديين ترتدي الحجاب، فتزداد جمالا، ويغرّد الكون حولها، وتطير الفراشات، وتحط الطيور على كتفيها.
شيء مثالي رومانسي، ولا ينطبق عليّ أبدا! أنا، من أنا؟ أنا اللاشيء، أنا التي لا قيمة لي دون شعري، أنا كتلة القبح المتوّجة بشعر فاتن، أنا التي وُضع كل جمالي في شعري. هل تعرفون ماذا يعني الحجاب لي؟ يعني أكبر كارثة في حياتي. حسنا، الحجاب للجميلات، والنقاش انتهى!
(فازت هذه القصة بالمركز الأول عن فئة القصة القصيرة في مسابقة وزارة الدولة لشؤون الشباب "نبقى"، مارس 2014)
"أنت كُبيْتيّ؟"، يسألني سائق الأجرة بفضول لزج. بوسعي أن أرى عينيه تلمعان وهو يراقبني من مرآته.
أهزّ رأسي على مضض. وددت لو أفعل مثلما يفعل صديقي الذي كان يخادعهم بقوله:
"I'm from Dahya."
لم يكذب، فكثير من المناطق في الكُبَيْت يسبق اسمها كلمة "ضاحية"! وحينما كانوا يستفسرون منه عن "داهية" هذه -ظانين أنها دولة- كان يقول لهم أنّها مكان صغير في قارة آسيا. ما أظرفه! كيف جاء بهذه التورية؟
لا أجدني متحمسا لاستخدام التورية، فسمرتي الطازجة تفضحني. كيف يمكنني إخفاء آثار النعمة، وبلدي أحد الأقطار العشرة الوحيدة في العالم التي ما زالت تنعم بالشمس؟
- في الولادة القادمة نريده مولودًا ذكرًا.
وجمت الوالدة فور انصراف الزوار، فضمها زوجها بود صادق وابتسم وقال: أمعي أنت ِ أم معهم؟ تعرفين كم تمنيت مثلك الإناث من قبل ولادة عروستنا الأولى، وتكفينا بشارة سيدنا وقدوتنا التي لو يعرفونها لما قالوا ما قالوا، أنا لم ولن أهتم لكلامهم.
وتمضي الأيام وذوو القربى - من الجهتين - يُظهرون الحب للبنات الصغيرات ثم يتفوهون بتكرار بما هو أقرب للعزاء للوالدين لأنهما لم يرزقا بالذكور.
لا ترجوني أن أتكلم، فليس لدي القدرة في أن أعثر على بداية للحديث! واختصر فيها أحداث الأشهر المرّة، فقد كنت على مدار الزمن الماضي القريب تسمح لنفسك أن تعبر عما تريد، وتفرض عليّ الحصار، وتغتال الصوت البريء، وهو يتلوى بالآهة! لا يجد من يكشف كربه، ولا من يصغي لمقالته.
وفرضت عليّ الحياة التي لم تدع لي فيها مساحة ليشعر الغريب أن له دولة تمدّه بالعطف، وتسكب في عينيه الصفاء، وترسخ في قلبه الانتماء! لكنّ الذين يقدمون على الظلم لا يشعرون بمرارته، بل إنهم حين يظلمون لا يرون إلّا المتعة، ولا يذوقون غير اللّذة والنشوة برؤية آلام الآخرين، وسماع بكائهم وعويلهم!
كانت الشمس تحصد ما تبقى من ساعات النهار، وتختبئ خلف الغيم المسافر كلما اشتدّ الريح، وأخذت الأشجار تتناوح حين وضع رأسه بين يديه، وهرب إلى كتبه المبعثرة، وأعاد قراءة الرسالة من جديد، ثم يتمتم والحزن ينعصر دمعًا من مقلتيه: قليل من الناس يقيس الزمن بمساحة الحدث، ولربما يمرّ قرن كامل لا يثير في نفسك كما يثيره مرور يوم واحد!
صداقة النقائض
وضعوا الجمرة على قطعة الصقيع وانتظروا. وعلى عكس المتوقع، لم يحدث شيء لأي منهما؛ لم تتبخر الأولى، ولم تنطفئ الثانية!
كان التطرف هو العامل المشترك الوحيد بينهما، وكان -هو نفسه- عامل التعايش. لقد تعاطفتا، ثم توطأتا معا، وكفت كل منهما أذاها عن الأخرى.
دجل
كبرت البطة القبيحة ولم تتحول إلى بجعة حسناء كما تقول القصة. اضطرت في نهاية المطاف إلى إجراء سلسلة من جراحات التجميل.
العتمة منتشرة في الغرفة الصغيرة التي شهدت مسيرة حياة طويلة تلك المُسجاة على سرير المرض .... صمت أصمّ يلف المكان ... صمت أشبه بسكون ظلمة القبر ... همسات خافتة تشق ذلك السكون من حين لآخر تليها تنهدات لا تكاد تُسمع ... كانت تنظر إلى الشمعة الوحيدة التي تُضيء المكان وقد استرسلت بأفكارها وأخذت تهيم بذكرياتها مع اللهب المتصاعد غافلة عن كل ما حولها.
ها هي الشمعة تذوب شيئاً فشيئاً وسوف تنطفئ بعد قليل كما سوف ينقضي ما تبقى من أيام حياتها عما قريب ... فقد عرفت بمحض الصدفة على الرغم من أن الإنذار كان قد سبق أيضاً ,بما كانت تعانيه من آلام منذ أشهر, عرفت من نظرات الإشفاق التي يُلقيها عليها شقيقها وشقيقاتها بأن أيام حياتها باتت معدودة, وبأن ذلك الألم الذي كان يقضّ مضجعها لم يكن عابراً كما اعتقدت وكما اعتقد من حولها, وبأنه ليس سوى وعكة مؤقتة., وإنما كان الألم قد استأصل وانتشر من صدرها إلى كتفها.
عزيزتي لجين: أكتب لكِ هذه الرّسالة وأنا أعلم أنكِ غاضبة مني كثيراً؛ لأنني لم أرافقك إلى جزيرة (روغن)، واخترت السّفر إلى الشّرق. لكنك تعلمين أنني ادخرت من راتبي لمدة عام كامل حتى أستطيع القيام بهذه الرحلة، فمنذ طفولتي وأنا أحلم بزيارة المدن القديمة، ولقد أخبرتك كم أنا متعلق بآثار الشّرق القديمة قدم الزمن، وكم أنا مهووس بتلك الأساطير عن معابده وملاحمه، وكم أنا مغرم برائحة البخور المعتق المتسللة عبر فيافي الصحارى الممتدة امتداد السّراب، والغامضة غموض الأوهام. في رسالتي هذه أبوح لكِ بثلاث كلمات.
الصفحة 7 من 35