- لقد سرقوا محفظتي...لقد سرقوا نقودي .
كانت العجوز تصرخ وتولول في الناص . فطلب السائق الذي توقف أمام مركز الشرطة في منطقة "اقسراي " من الركاب عدم مغادرة أماكنهم . ريثما يتم التحقيق في ادعاءات المرأة واكتشاف السارق الذي سطا على نقودها . فبدا بعض الركاب يتذمرون فيما التزم الآخرون الصمت ،ربما حبا في الاستطلاع ومعرفة نهاية تلك القصة . .
قبيّل غروب شمس الأمس , كنت جالسة في مجلسٍ نسائي , أتبادل مع قريباتي أحاديثاً وأسمارا , وإذ بطفلةٍ تدخل علينا وقد امتلأت عيناها دهشةً وسابقتها نحونا نظراتها المتوهجّة بالفرحةِ والظـَفر , جرت صوّب أمها وقالت لها بملءِ فمها :- ماما , ماما , لقيت قرية نمل ورا , قرية نمل كبييييييييرةفأجابتها أمها المنشغلة عنها دون أن تلفت لها :- أوكي , أوكي ماما , لا تدوسين عليهم هذا بيتهم لا تخربينة .
-1-
تَعوّدت أن تستقبل يومها بصلاة وتسبيح ثم تتجه نحو ذلك الفنجان الذي تبتسم كلما تراه !
إنه رفيق درب وصديق عمر، فنجان من الفخار الأبيض، زيّنته رسمة طفوليّة مُتقنَة لدبٍّ قويٍّ يرتدي سترةً حمراءَ ويندفع بكلِّ قوّتهِ نحوَ شجرةِ تفاح يهزُّها فتتناثر ثمارُها غنيمةً شهيّة .
فنجانٌ له قيمة خاصة، فهو أول فنجانٍ تقتنيه بعدما مَلَكَت أمرَها !
تبتسم والابتسامة ترسمُ هالاتٍ من العَجب على محيّاها كلما تذكرت كيف كان اقتناء فنجان كهذا من الممنوعات في لائحة أسرتها ؟!
وإذا سألت نفسها عن السبب تاهت في دروب الإجابات !
أَلا يُسمى هذا قهراً ؟!
عندما يختار لنا الآخرون نوع الآنية التي نأكل أو نشرب بها !
أليسَ من القسوةِ أن يُحرمَ طفل من أن يقلّد غيره من الأطفالِ في أمر مُباح ؟!
" أما زلتِ تستنكرين ؟! كُفّي عن هذا الصَّياح " تنهر نفسها بلطف ثم تمضي لإعداد فطور الصَّباح.
متكئ على سريري ، خلفت كلَّ متاعبي وراء ظهري ، لبست ثوبَ أحلامي وآمالي ، أرقبُ ذلك المنظرَ الخلابَ من تلكَ النافذةِ الزجاجيةِ ، تغرب الشمس وهي تتقلب في لونها البرتقالي بين السَّحاب ، ثم تطفو فوق تلكَ الأمواج وتتراقصُ أشعتها على صفحة الماء الناعمة .
متكئ على سريري ، خلفت كلَّ متاعبي وراء ظهري ، لبست ثوبَ أحلامي وآمالي ، أرقبُ ذلك المنظرَ الخلابَ من تلكَ النافذةِ الزجاجيةِ ، تغرب الشمس وهي تتقلب في لونها البرتقالي بين السَّحاب ، ثم تطفو فوق تلكَ الأمواج وتتراقصُ أشعتها على صفحة الماء الناعمة . هل ترقص من سعادتها كما يرقص قلبي من سعادته ؟ أظن أنني أكثر سعادة منها . رحلة طويلة في غيابة الغربة ، عامان طويلان ما أقساهما ، وما أقسى الحصولَ على لقمة العيش ، ولكن كل هذه المتاعب سوف تتهرأ حدتها ، وتنكسر قسوتها عندما أضم ولدي عمرو . امتدت يدي إلى كوب الشاي أحتسي منه قليلا ثم يقطع شربي تفكيرٌ عميق في ساعة اللقاء المرتقبة . ما أقربَ اللقاءَ ! هذه يدي أشعر ببرودة يدِ أحبائي فيها ، وهذا قلبي متى تتراقص نبضاتُه ودقاته على صدر أحبائي ؟ . ما كنت أعرف أن كوب الشاي سيظل نصفه دافئا كدفء الحب الذي يكتنفني ؛ إذ قطع تفكيري نوم جميل واستلبني عن عالم الخيال إلى عالم الأحلام ، أغمضت عيني عن هذا المنظر الرائع للغروب ، وعن هذه الآمال التي يلوح بريقها في أفق خاطري ، لا أدري ساعة نمتها أم أكثر ؟ لكن لعل هذه الساعة تقضي على هذا الطول الغريب للرحلة ، وكأننا نضرب عُباب البحر منذ قرن !! رجات عنيفة ، أصوات مخيفة ، ما أقبحَه من حُلم ، ليس بوقت هذا الحلم ، فإنني الآن أخِيط ثوب السعادة وألُف به أحلامي وأيامي ، إنني الآن أرفل في نعمة الخير والحب .
تتهادى إليّ بخفةٍ ودلال كالحمائم اللندنيه في أعياد الميلاد,
تحملُ على جناحيها كومة من التساؤلات والأمنيات
تطرحها أمامي, وتنتصب كقاضيه في محكمة عدل تستجلي الحقائق والأسرار ..
.. كانت منهكةَ القوى .. باهتة الملامح .. زارتني قبل أيامٍ قليلة .. تحدثني بصوتٍ متقطع يملؤهُ الخوف والحزن وهي تقول لي : أجهلُ كيف أعبرُ عن نفسي أو أصفَ حجم مأساتي لمن يهمهم أمري .. فأرجوا أن يكون قلمكُ صلةَ الوصلِ بيني وبينهم .. علَّهُم أن يدركوا ألمي وما ألمَّ بي في آخر أيامي ..
.. لم أتردد أبداً .. كلما فعلته أنني قمتُ بإنشاء صفحة جديدة على حاسوبي وأعطيتُ العنان لقلمي أن يصفَ تلك المأساة التي رأتها عيني .. وصَدَّقها قلمي :
نيران الإنتظار تشتعل في قلبي وقلب أبي، نترقب مرور الدقائق أمام غرفة العمليات في الطابق الثالث، لا يهمنا وهن الأرجل ووجل النفوس، نتلهف لصوت عطوف يروي ظمأ النبضات وخبر عاجل يطفئ فزع النظرات.
لحظات صعبة تمرّ برتابة قاتلة، ثواني حرجة تتسارع بكثرة الداخلين والخارجين لجناح العمليات، أفكارنا مشدودة نحو رأس أمي الممدد بعيدا بين مشارط الجراحين، لم يقطع هذه الأفكار عدا اتصالات أختي " غالية"، البعيدة عنا بجسدها الالآف الأميال ...الحاضرة معنا بقلبها في هذه اللحظات.
الصفحة 10 من 35