هدهدة فتاة صغيرة, مولعة برؤية النجوم وهي تتلألأ, ومن فرط تأملها يُخيل لها أنها تتراقص على ألحان الطيور الليلية, وحفيف الأشجار, وخرير الوديان, وتتمنى لو تمسح غبار السحب الذي يمنعها بين الحين والآخر من الاستمتاع ببريقها لتظل تنظر إليها حتى تذبل عيناها الجميلتان فتنام.
في إحدى ليالي الخريف, استفاقت (هدهدة) على قرقعة في النافذة, نهضت متكاسلة, فتحتها فوجدت نجمة صغيرة تشع ضياء, دهشت, وفركت عينيها قائلة: (لابد أنني أحلم).
ولما سمعت أنيناً منبعثاً من النجمة, حملتها, وسألتها عن سبب حزنها, فأجابت النجمة قائلة: حينما كنت نائمة على سريري الفضائي, وقعت في الهواء ولم أفق حتى وجدت نفسي بجانب مرآة عجيبة.
غريبة؟!
لا، ليست غريبة، بل مدهشة..
لقد استطاعت تلك المرأة الريفيّة البسيطة أن تتفوَّق على الرجال، وتجعل من عظيم شأنها أنموذجاً تستقيه الأنفس التوّاقة؟ نحو السناء الوارف، وغدت سيرة عطرة تتطيب بها الألسن.
لا، ليست المرأة بهذا الوصف.. بل هي أكبر من ذلك.
بإرادة فذّة وإصرار فريد جمعت أكثر من مليون دولار بعد حملة قادتها في بلدتها والبلدات المجاورة وساندتها مجموعة من النساء الثريات، فهي كانت معروفة في ذلك الريف البعيد وجميع النساء يثقن بها وبأخلاقها.
إلى شجرة نسلوها من تربتها، فماتت.. لكنها قبل أن تلفظ أنفاسها وضعت وليدها..
وستبقى..!
شجرة معمّرة شهدت رحيل الغزاة الواحد تلو الآخر، وبقيت منتصبة شامخة وفيّة لفلاّح لا يعرف غير ريح تربتها..
في ليلة قاسية العتمة اجتاحتها أسنان غول فولاذية، فسقطت تزرع نَفَسها الأخير في التربة التي لا تعرف هي الأخرى سواها..
كم يثير حنقي ذلك الرجل ؟! يأمرني وعلي أن أطيعه، شبه كبير بيننا، وجهي بحيرة صافية تتفجّر تألقا وعنفواناً، بينما تركت الأيام بصماتها على وجهه، وحفر الزمان أخاديد كثيرة على جبهته.
يحدّث أصدقاءه بفخر: هذا نسختي !
تعال يا بشر.. اذهب يا بشر..استنسخني كي يستعبدني ، حتّى اسمي يشبه اسمه! ينادونه الأستاذ بشير، والسّيد بشير..وأنا بِشْر..نكرة..مجرّد كائن بلا شخصيّة.