أيتها المسكونة في نزق الكلمات أفيقي فظلام الليل طويل..
وأنا لا أملك غير الصمت.!
ماذا أفعل إن أمست أيامي تتخبط بين ظلام الغربة.. خوف وبكاء وعويل.؟
ماذا أفعل إن كانت أحلامي تأبى إلا أن تتعشّق ظلّ الموت..؟
لا تأبه للعمر الأسود، ولا للأيام العجفاء، ولا للتيه في صحراء مجدبة لا تنبت في تربتها وردة..؟
ليس الهروبُ متاحاً بعد الآن..
فراغ الإطار من الصورة لا يعني سوى "النّهاية"..
الأشياء الفارغة لا قيمة لها.. التماثيل الجوفاء تزول مع الزمن، وتبقى حكاياتها..
انهيار كلّ أحلامي ما كان متوقعاً عندي.. نقيض توقُّع الآخرين..
لتذهبْ كلُّ الأشياء الثمينة والرخيصة.. الرفيعة والوضيعة..
ما بديل هذا غير الهروب إلى سراب.. إلى وادٍ سحيق.. حيث المجهول يختلط بحَبِ التراب الأسود.. كالقطران.. اختزالاً لمصائب السنين..
أينَ أصبحتُ أنا اليوم؟!
تُرى ..!
هل يستأثر الصّياد حين يُصوّب بندقيته نحو السماء ,بطائر دون آخَر ...!؟؟؟
أليس هو الذي يظلّ يرددّ بعنجهيّة طاووس:
" لو أطلّ فجرٌ وأنا لست في حالة عشق فأنا لست أنا " !!
إنّه يحتاج مع اطلالة كل فجر ان يُثبت لغروره أنّه قادر على اصطياد كل النساء ليزجّ بهن داخل أقفاص عاطفته.
والآن , لا أدري لمَ , كلّما مررتُ بأنثى .. أخال رائحة عطره تفوح من حولي, فأقع فريسة سهلة في فخّ الغيرة .
لم تظهر أي شكل من أشكال الاعتراض .. " حاضر سيدي" قالتها بصوت منكسر لا تملك حتى أن تـعبر في ملامح وجهها عن الرفض .. أبدت الإعجاب.. وافقت فورا على كل ما قاله .. في نفسها كل إمكانيات التمرد ..لكنها إمرأة محطمة أو على الأكثر بقايا حطام ..
كانت أفكارها مجمدة ..أحاسيسها مكبله.. عيونها فاترة، تمشي كآلة تحركها أداة التحكم عن بعد .. " حاضر سيدي".. تكفيه هذه العبارة ، لا يريد منها أكثر، يثق بأنها ستنفذ أوامره بدقة تامة.. يعلم أنها تكرهه و تود لو تغرس أنيابها في لحمه تمزق جسده بأظافرها التي تبدو له كمخالب نمرة شرسة في قفص من حديد.
وصلا غرفتهما في الفندق الحادية عشر والنصف ليلاً بعد ثمان وأربعين ساعة متواصلة من عمل شاق لاستعدادات حفلة الزفاف والسفر إلى هذه المدينة الساحلية الخلابّة لقضاء أسبوع الزواج الأول بعيداً عن تبريكات الأقرباء وزحمة المهنئين.
أقتلع ذاتي من قلب الوجع، ويحملني ارتداد الصدى إلى عمق عمر لا ألمس ضفافه، ولا أشمّ رائحته..
هل أغوص في بحيرات الذاكرة.؟ أي عمق سأصل.؟ هل يردّني إلى ذلك المكان الذي ما فارق هذه الرأس الموجوعة..