ـ 1 ـ
إذا حقق العمل الفني قصة قصيرة أو رواية أو غيرها من الأعمال شروط إبداعه الفني ، الذي يجعل منه عملا مؤثرا وأثرا خالدا ، فإنه يمكن الحديث عن شعرية بدايته أو استهلاله أو افتتاحيته ، فإذا بدأ الكاتب عمله ببداية صحيحة أو موفقة فيعني هذا أننا أمام عمل يستحق القراءة .
يرى صبري حافظ أن "البداية عادة ما تكون أصعب أجزاء العمل ، وأنها تستنفذ جهدا يفوق ما يبذل في أي جزء مساو لها من حيث الحجم ، وتستغرق أكثر من غيرها من حيث التفكير والتنفيذ على السواء " (1) ومع ذلك لابد من الحذر لأن البداية يمكن أن تكون " الباب الذي ندلف منه إلى عالم النص الرحب ولكن من الممكن في الوقت نفسه أن تصبح الجدار الذي يصرفنا عن الدخول إلى هذا العالم ويصدنا عن محاولة الولوج إلى ما وراء حائط البداية الأصم " (2) غير أن جذب القارئ إلى داخل العمل القصصي هو أهم وظائف لبداية ، أو على الأقل الوظيفة الأولى لها ، يقول الناقد ديفيد لودج : " مهما يكن التعريف الذي يضعه المرء لبداية رواية ما ، فإنها تمثل عتبة تفصل العالم الواقعي الذي نعيش فيه عن العالم الذي يصوره الروائي ، وعلى ذلك فإنها ينبغي ـ كما يجدر لبقول ـ أن تجذب القارئ إلى داخلها "(3) .
مع حلول الذكري الخامسة للانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت في 28 ايلول عام 2000، ما يزال الشعب الفلسطيني صامدا أمام أعتى قوى الشر والدمار في هذا القرن. لقد بات الشعب بمختلف مكوناته وفصائله الوطنية والإسلامية أكثر مضاء وتصميما على المضي في طريق المقاومة وإصرارا على استمرار الانتفاضة رغم الخسائر والتضحيات والآلام الفادحة التي ينزلها هذا العدو الغادر بأبناء شعبنا بكل وسائل الفتك والبطش على مدار اليوم بل على مدار الساعة. لم يحد هذا الشعب الصامد عن الثوابت الوطنية وبقي شامخا وراسخا رسوخ الرواسي الشم. ما تزال بوصلته تشير بكل عزم ومضاء إلى التحرير وزوال الاحتلال البغيض الجاثم على صدره. ومن أجل هذه الثوابت والأهداف الكبيرة قدم هذا الشعب الصابر والمحتسب الكثير والكثير وسيقدم الكثير ولن يركع ولن يستسلم. فهو بذلك تفوق ويتفوق على قيادته سواء في الفصائل أو في السلطة بدليل وحدة المقاتلين على الأرض. فترى العمليات يشترك في تنفيذها أطراف عدة من المناضلين. لطالما سمعنا أن عملية نفذها رجال من حماس والجهاد وكتائب الأقصى مثلا. وعلى العكس تماما، نرى القيادات الفلسطينية وضعت الشعب في ملهاة اسمها الحوار. نعم للحوار الجاد والحقيقي ولا للحوار كغاية. يجب أن يكون الحوار وسيلة لتضميد جراح هذا الشعب ودعما لنضاله في سبيل الحرية والاستقلال ودحر الاحتلال.
خطابان أمريكيان متناقضان إنطلقا أخيرا ليعبرا عن أمريكاتين متناقضتين :
الخطاب الأول للزعيم الديني اليميني المتطرف بات روبرتسون الذي يتزعم فرعا أصوليا نافذا في الكنيسة الإنجيلية الأمريكية .
الخطاب الثاني لرئيس الجامعة الأمريكية في بيروت الدكتور جون واتربوري.
الخطابان إنطلقا من خارج الجغرافيا الأمريكية في تاريخ واحد – الإثنين 4 تشرين الأول / اكتوبر 2004 – لكن في مكانين مختلفين . الأول لعلع في القدس المحتلة في خلال زيارة قام بها صاحبه على رأس أربعة الآف من أنصاره في نطاق حملة لدعم إسرائيل في مناسبة " عيد العرش " اليهودي وذلك بإشراف إحدى المنظمات الإنجيلية الأمريكية التي تعمل تحت إسم " السفارة المسيحية " بغرض تنظيم مؤتمر سنوي في القدس للتضامن مع إسرائيل والمستوطنين . اما الثاني فقد إرتفع بهدؤ في خلال إحتفال أكاديمي نظمته الجامعة الأمريكية في بيروت.
قبل ساعات وصلتني رسالة مقتضبة، إلى بريدي الإلكتروني تحمل سؤالا قصيرا ومحدداً :" العزيز: عبدالله، ما دور الإعلام السعودي إزاء قتل الأمريكان والأجانب في بلدكم؟ أنتظر إجابتك صديقي".
لم أجد إجابة مركزة، انخرطت في كتابة هذه السطور، كيف أرد على أستاذي الأمريكي (ايكمر ناورل) الذي درسني ورفاقي مادة (الخبر الصحافي) في جامعة ويبر ستيت في ولاية يوتاه (غرب أمريكا) قبل نحو عامين؟ علمني أن أُضرب عن الكتابة عندما أفتقر إلى الإجابة، ماذا أقول لمعلمي الذي يكتب في 4 مطبوعات عريقة ويعمل مستشارا أخباريا في قناة فوكس ويناديني بصديقي رغم البون الشاسع بيننا وأطنان الحزن التي تتكوم بتناسق في أعماقنا وتمنعنا من مزاولة الدقة والمجاملة؟
عجبت للام التي لاترضع وليدها !... وعجبي أكثر، من الام التي تعتقد ان هذه الاصناف التجارية من الحليب الصنعي ، أفيد وأنفع لطفلها!... وعجبي كان أكثر فأكثر ، من الام التي تعرف ان حليبها أفضل لرضيعها ، ومع ذلك لاترضعه!...لماذا؟... والله لاأدري.
ان موضوع الارضاع يعد اليوم من اخطر المواضيع العلمية ، لعلاقته بالصحة العامة ، والطب الوقائي ، ومستقبل الطفل الصحي ، بعد أن تبين بالابحاث العلمية المثبتة أنه يقي من اصابة الوليد بالانتانات ، ويجنبه الكثير من أنواع الحساسيات ، بالاضافة الى تقويته لهذه الروابط العاطفية والوشائج الروحية بين الرضيع وأمه... الا أن أخطر ما تمخضت عنه الابحاث الأخيرة هو ما وجد من العلاقة بين ظهور بعض الامراض المزمنة( كمرض السكري) بشكل مبكر ، وبين الادخال المبكر للحليب الاصطناعي في تغذية الوليد .
في بهو احد المصارف اكتظت جموع من الناس بانتظار دورهم في انجاز معاملات الاكتتاب في اسهم احدى الشركات الجديدة، وكان من بين هؤلاء عدد ليس بالقليل من كبار السن والزمن المنهكين الذين لا يقوون على الحركة الا بشق الانفس، وبينما كان الموظف المختص ينادي اصحاب الارقام التي حانت نوبتها للتسجيل كان احد هؤلاء المسنين يؤدي دور صدى صوت الموظف فيكرر الارقام نفسها، بل كان يزيد من عنده ذكر ارقام لاحقة ليستعجل نوبته، مما جعله محط انظار الحضور، ومعلوم ان الشيخوخة تعيد المرء الى اخلاق الطفولة وطبائع الصبية، ولذا فلم يكن الشيخ المسن ذو اللحية البيضاء يقيم ادنى وزن لنظرات المبحلقين المستغربين من عجلته ولهفته الكبيرتين، وحين نادى الموظف برقمه الخاص قفز المسن من مقعده بخفة ورشاقة وكأنه غلام في السابعة عشرة من عمره، وكانت عصاه التي يعتمد عليها ذات ايقاع مميز حين تلامس البلاط الرخامي الصقيل، كان مشهدا ظريفا للغاية، ومما زاده ظرافة ان صاحبنا حين انجز مهمته التي ارهقت الموظف كثيرا خرج من المكتب بأناة وتؤدة تناسب وقار الشيخوخة وضعف البنية وتنبىء عن ارتياح كبير بزوال القلق من خوف فوات موعد الاكتتاب!!.