على مدار كل سنوات الإنسداد يرتفع منسوب الأزمة أكثر عشية الدخول الإجتماعي إلى درجة حصول اهتزازات وتوترات خطيرة، إن على المستوى الإجتماعي أو السياسي أو الأمنى. . ولا يحدث التنفيس عن الاحتقان الحاصل عادة إلا بمواجهات وصدامات . تتم عبر أشكال وصور مختلفة.
فى بدايات التاريخ قتل قابيل هابيل و من بعده لم تتوقف الحروب و لم تنطفىء شرارة الحسد على وجه الأرض ... بداخل كل انسان طاقة تسمى الرغبة تحركه و تدفعه لتحقيق أمنياته و البحث دون توقف عن مزيد من الأهداف, عندما تصطدم هذه الطاقة النشطة " الرغبة " بعوائق تضطر للتراجع خطوة الى الوراء تصاب فيها باحباطات و ضغوط و عندما تنظر حولها و ترى آخرين حققوا ما لم تستطع تحقيقه يتفجر بداخلها الغضب, و هذا أول أسباب اندلاع الحسد بداخل الانسان,
يظن بعض المتحمسين لنشر الخير في هذا العالم أن القوة هي السبيل الوحيد لنصرة الحق مستندين إلى ما حصل من المعارك الكبرى في الإسلام في فجر الدعوة وما تلاها من عصور.
ويحلم هؤلاء بوضع راية الإسلام الحنيف خفاقة فوق كل مكان في المعمورة، بمعنى النصر على الآخر، وإنهاء وجوده بأي صورة، وهذا مخالف لمنطق الحياة الذي هو منطق الإسلام، فالحياة تقتضي التنوع، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (التغابن:2).
في عقدي الخمسينات والستينات اخذت الشعوب العربية توثق عرى اتصالها بحضارات وثقافات الأمم المختلفة وتسارعت عجلة السفر والارتحال الى ديار الغرب، وكان من ذلك ان راجت كتيبات تعليم المصطافين والمسافرين القواعد الاساسية للغات الاوروبية من قبيل (تعلم الانكليزية في خمسة ايام بلا معلّم) وما زالت تلك المطبوعات تحظى بالذيوع والانتشار حتى يومنا هذا, لكن لم يكن من المتصور حقا ان تصبح النظريات السياسية ذات الجذور الفلسفية العميقة الممتدة في الفكر الانساني لقرون وقرون قابلة للاستيعاب والهضم في دقائق معدودة، غير ان هذا ما حدث ويحدث بالفعل هذه الايام بالنسبة لأنصار المذهب الليبرالي في الكويت!
عجيب أمر أولئك الغربيين الذين ملكوا العالم بسطوتهم أو كادوا، وعجيب تضامنهم أمام الأمم الأخرى، فعندما يختطف أحد رعاياهم أو يتعرض لأذى فإن العالم يقوم كله لهذا الحادث، ووسائل الإعلام جميعها تصرخ وتزمجر، وتهتز دولته غضباً، ويصبح حديث المسئولين فيها، وتبذل الجهود، وتقوم المفاوضات السرية حيناً والعلنية حيناً آخر، كل هذا من أجل مواطن واحد من أبناء تلك الدولة.
تنادي بعض الأنظمة العربية منذ سنوات بإعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل وهي الدعوة التي طالب البعض بتفعيلها عقب زوال النظام الفاشي في العراق ، كما حاول النظام السوري الاستناد إليها في مواجهة الضغوط الأمريكية كواحد من الاستحقاقات التي تبدو مترتبة منطقيا على زوال " الصديق اللدود " الذي قاسم النظام العراقي لسنوات ادعاءاته وجرائمه . ورغم أن للدعوة الرسمية العربية وجاهتها فإنها تأتي في سياق السعي لإنقاذ أنظمة الحكم العربية المهددة من الداخل والخارج على السواء لا في سياق إنقاذ مستقبل الأمة المهدد بالاستبداد ، ولو أنصفنا لاعتبرناه أحد أسلحة الدمار الشامل .