تسعى مختلف التيارات العربية المنتمية إلى إيديولوجيات مختلفة، إلى بلورة تصور متكامل للرقي بأوطانها ومن خلالها الرقي بالأمة العربية ككل، ونقصد بالأمة العربية الدول والكيانات التي تنتمي لثقافات المنطقة التي حكمها العرب منذ الإسلام خصوصًا بمختلف تنوعاتها الدينية واللغوية والاثنية والعرقية والطائفية والمذهبية...، وقد طرحت في هذا السياق عدة نظريات يمكن أن نجملها في تيارين رئيسيين، يضم الواحد منهما العديد من المرجعيات الفكرية والأطر النظرية، التي تتباعد أحيانًا وتتقارب أخرى، وهما التيار الحداثي الليبرالي وهو الذي لم ير بديلًا عن النموذج أو النماذج الغربية لتحقيق أي نهضة مرتجاة في عالمنا العربي ، باعتبار أن ما وصل إليه الغرب لا يمكن، بأي حال من الأحوال، الحياد عنه لمثاليته وكماله على مستوى الإطارات النظرية والتطبيقية التي نشاهد نجاحاتها بأم أعيننا في الأمثلة الكثيرة لنجاحات الدول الغربية، وفي مقالي هذا ليس الهدف نسف هذا الطرح أو إثباته، بقدر ما هو فتح باب لطرحٍ بديلٍ أو تكامليٍّ يمكن أن يسير إلى جانب الأطروحات الأخرى، والتيار الثاني الذي هو صلب اهتمامنا في هذا المقال هو التيار السلفي، والذي أريد أن أضع له تصورًا تصحيحياً سواء لدى المنتمين لهذا التيار أنفسهم أو لخصوم هذا التيار.
إن التجربة المسرحية نافذة رحبة لفضاء التغيير المواكب والمبتكر في فنون المسرح، ويعلم المسرحيون أن ما من مدرسة أو أسلوب في صناعة المسرحية إلا وكان ناتجا عن تلك المحاولات الجادة لاكتشاف أعماق الفن الإنساني متأثرا بظروفه الآنية، لذلك خضت مجال التجربةالمسرحية عندما أسست (مسرح كيف) منذ 2006م و قمت بعدة تجارب وجدَت ما وجدَت من هجوم وتصدي واستهانة في بدايتها لكن الظروف الجيدة خدمت تلك التجارب فيما كان للظروف السيئة دور الحفز الدافعية لمشروعي المسرحي.
ومسرح كيف ينطلق من البحث والتقصي بأسلوب علمي يهدف على صياغة التجربة بشكل (مصنعي) ليحقق من وراء التجربة اكتشافات جديدة في أدوات الصناعة المسرحية من نص وإخراج وتمثيل لذلك يعتمد (مسرح كيف) على أسلوب الصنعة المسرحية الذي يقترب كثيرا من مهمة (الدراماتورجيا) ولكنها هنا بشكل جديد.
لقد ظهر في عام 1769ميلادية مصطلح جديد أو وظيفة جديدة ضمن وظائف فريق العمل المسرحي وهي (الدراماتورج- dramaturh)وتعرِّف الموسوعة البريطانية الدراما تورجيا بأنها تقنية التأليف الدرامي أو التقديم المسرحي. ويقول الدكتور يونس الوليدي في إحدى مقالاته أن الدراماتورجيا تضع أدوات النص ووسائل الخشبة في خدمة المعاني المتعددة والمتواصلة للنص الدرامي، ويرافق ذلك بحسب تعبير الوليدي ضرورة اختيار تأويل معين أو توجيه العرض وفق هذا التأويل.
عرس في حديقة الحيوان هو ما أثار كل هذا! أجل، هناك زوجان اختارا أن يقيما عرسهما في حديقة حيوان لندن في ظهيرة سبت مشمس، ولعلها المكان الذي شهد أول لقاء للعروسين. هذا المشهد الطريف والغريب في آن، جعل رفيقتي في زيارة الحديقة (وهي طبيبة يونانية تعمل في إحدى مستشفيات لندن) تسألني عن تعدد الزوجات في الإسلام. ذاك النقاش الذي دار بيننا جعلني أعيد التفكير بعمق في هذا الموضوع الذي نميل إلى تناسيه وإنكاره. أحيانا يتطلب الأمر شخصا من ثقافة أخرى يناقشك حتى تفكر في بعض الأمور وتعيد وزنها، وأحيانا يتطلب الأمر حدثا طريفا -كزواج في حديقة حيوان- كي يُفتح نقاش مثل هذا.
* * * * *
قبل البدء:
أولا: ثمة أمر على الرجال قبل النساء، وعلى المسلمين قبل غير المسلمين إدراكه، التعدد مباح وليس فرضا وليس مستحبا، هو أمر مشروط بشروط، وليس الأصل في الحياة.
كما أنها مغالطة كبيرة بأن يرى التعدد على أنه رخصة، بل هو في حقيقة الحال تضييق، بل وتضييق مشروط. ففي السابق كان العرب وبعض الأمم الأخرى يعددون دون قيود عددية، بل وكانت بعض النساء في بعض الحضارات يعددن أيضا وإن كان هذا الأمر غير شائع. ثم جاء الإسلام ليقيد لا ليوسع. لذا، حينما يقال أن التعدد "رخصة"، فإن هذا من باب التجاوز المقارني ليس إلا، وحدث ذلك حينما صار اتخاذ زوجة واحدة هو الأشيع، فصار التعدد "رخصة"، بعدما كان تقييدا حينما نقارنه عما كان في الجاهلية.
كما أن بعد هذا التقييد، جاء حضّ في القرآن الكريم. ليس حضا على التعدد، بل على عدم التعدد! {... فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً ...}، {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ...}
ثانيا: أنه من الواضح أن الرجال –أو معظمهم- يتحلون بقلوب كبيرة! قلوب تتسع لأكثر من امرأة في الوقت ذاته، وهذا أمر تستصعب النساء فهمه لأنهن لم يكن رجالا من قبل. وفي الوقت ذاته، تتحلى النساء –أو معظمهن- بقلوب حساسة، حساسة لدرجة أنها لا تتحمل أن تشاركها أخرى في القلب الوسيع لزوجها، وهذا أمر يستصعب الرجال فهمه لأنهم لم يكونوا نساء من قبل. ولهذا السبب تظهر الوصمات الشهيرة بأن الرجل "عينه زايغة"، و"عينه فارغة"، وأن المرأة غيورة، وأنها مكارة وذات كيد. وكل هذا يشي بأن الجنسين لا يعرفان بعضهما البعض كما ينبغي، ولا يعيان اختلاف تركيبتهما النفسية والعاطفية. وهذا أمر مهم وواجب مناقشته، لكنه أمر تنوء بهذه هذه المقالة المحددة الهدف.
كثر الحديث خلال العقود الأخيرة في العالم العربي والإسلامي عن دعوات فصل السياسة عن الدين، أو ـ بمعنى أدق ـ فصل الفعل السياسي عن الفعل الديني، الأول: المرتبط بالاجتهاد البشري الصِّرْف القابل للنقاش والاختلاف، والثاني: المرتبط بالمقدس الإلهي المتفرد بالإلزام بلا خوض ولا نقاش، ولعل المتأمل لهذه الدعوات يجد أنها في حقيقة الأمر ما هي إلا تلطيف لمفهوم العلمانية، والتي أجد أدق تعريف لها هو ما قالت به دائرة المعارف البريطانية "حركة اجتماعية تتجه نحو الاهتمام بالشؤون الدنيوية بدلًا من الاهتمام بالشؤون الأخروية، وهي تُعتبر جزءًا من النزعة الإنسانية التي سادت منذ عصر النهضة الداعية لإعلاء شأن الإنسان والأمور المرتبطة به بدلًا من إفراط الاهتمام بالعزوف عن شؤون الحياة والتأمل في الله واليوم الأخير، وقد كانت الإنجازات الثقافية البشرية المختلفة في عصر النهضة أحد أبرز منطلقاتها، فبدلًا من تحقيق غايات الإنسان من سعادة ورفاه في الحياة الآخرة، سعت العلمانية في أحد جوانبها إلى تحقيق ذلك في الحياة الحالية"، إنها بمعنى آخر إقصاء الدين والتفكير الديني في الشؤون الدنيوية، وفي حقيقة الأمر كان دعاة العلمانية أو فصل الدين عن الدولة خلال مرحلة أسبق في بلداننا الإسلامية، أكثر شجاعة وتحرُرًّا من النسق الاجتماعي المهيمن من نظرائهم اليوم، ودعونا نقل بنوع من الدغمائية ـ بمعناها الإيجابي ـ أنهم كانوا أقل نفاقًا من نظرائهم اليوم؛ إذ دعوا صراحة إلى فصل الدين عن الدولة بصفته لا يتوافق مع العصر وباعتبار الفكر الديني المقدس يحيل إلى الثبات و الجمود، وهو ما سينعكس سلبًا على المجتمع ويجعله متخلِّفًا حسب زعمهم، وهو ما لم يستطع دعاة اليوم القول به صراحة حينما اكتفوا بالدعوة إلى عدم الجمع بين ما هو ديني وما هو سياسي أو بمعنى عدم استغلال الدين في الدعوات السياسية.
بين الكلمة ومعناها روح من الشباب وماض من الشيخوخة وليس العكس أبدًا، فالكلمة حين لا تُنطق تشيخ ومن ثم تموت، وحين تسلك طريق النطق تخلد خلود تخطي الأشياء للفناء.
بدعوى الإلهام الذي رافق شيخ قريش عبد المطلب بن هاشم في حفر زمزم.
بدعوى الرجولة المتميزة لشيخ بني عبد مناف وضاح الفكر والرأي يواجه أبرهة الحبشي.
بدعوى إيقاظ المبشرات التي طالما سكبها العارفون في وعيه ترقب من نسله العظيم عظيم.
بدعوى استلهام المعاني ودفقها صلاة في محراب السماء قبل الأرض، قَّر في نفسه اسمًا لحفيده اليتيم، بدعوى نبش المُدخر كنز في اللوح المحفوظ قُدر له الظهور سماه محمدًا.
بمنطق كسى رمضاء قلب الوالد الفاقد عشباً أخضر رد الجد على من سأله عن اسم حفيده بعد أن عقّ عنه وأطعم فقال: سميته محمداً.
{gallery}galleries/Jews{/gallery}
بناءً على تعايشي الواقعي مع أبناء الطائفة الموسوية (وهو الاسم الذي أطلق مؤخراً وبشكل رسمي على اليهود في سوريا) ولفترة من الزمن قاربت سبع سنين متصلة، فقد توفرت لي أرضية خصبة من المعلومات حول حياة تلك الطائفة في المجتمع السوري. وتأتي هذه الدراسة لتعطي صورة واقعية عن حياتهم وتعايشهم مع أفراد الشعب السوري، بالإضافة إلى إظهار صورة تعامل المسلمين الراقي مع من سالمهم وتعايش معهم من أهل الكتاب. ولأن البحث الحالي هو بحث إثنوغرافي في طبيعته، فكان لا بد أن أمهد للتعريف بشخصيتي حتى يتسنى معرفة رؤيتي للموضوع وتحليلي للمعطيات.
تعريف شخصية الباحثة:
أنا مواطنة سورية مسلمة عشت وترعرت في مدينة اسمها النَّبِك تقع بين مدينتي دمشق وحمص تبعد، حوالي 80 كم عن مدينة دمشق باتجاه الشمال؛ ومعنى النبك باللغة العربية المكان المرتفع، وتعتبر أعلى منطقة جبلية بسوريا حيث تترتفع عن ســـــطح البحر حوالـــي 1500 م. وهي منطـــقة باردة جداً شـــــــتاءً صيفاً، وبعض أهالي المدينة يـــستوطنون منذ القديم في مدينة دمشـــــــق، ويسكنون في حي اســــمه حي اليــهود. ومنذ صغري واســـــم هذا الحي يتـــردد على مســــــامعي، وكنـــت أظـــن أن اســــــم الحي لا يدل بالضرورة على وجود اليهود. وبعد انتهاء مرحلة دراستي الثانوية، وانتقالي لمدينة دمشـــــــق لإكمال دراســــتي الجامعية، وفي هذه الحالة توجب علي السكن بمدينة دمشـــــق. وقع اختياري على حي اليهود للأســـباب التالية وكان ذلك عام 1988م:
الصفحة 69 من 432