أجمع المحللون والخبراء المهتمون بالشأن المصري أنه لا توجد سوى مؤسستين متماسكتين قادرتان على تولي زمام الأمور في مصر هما الإخوان والجيش نظرًا لخبرتهما وتنظيمهما المحكم الهيراركي بالنسبة للجيش، والعنقودي في حالة الإخوان ، في حين ان الأحزاب السياسية والقوى المدنية والحركات السياسية الأخرى تفتقد للخبرة التاطيرية والتماسك والتغلغل في المجتمع فهي ما تزال تحمل السمة النخبوية حتى وإن تواصلت مع الشارع في اوقات الأزمات والانتفاضات، كما أن مشاركتها في العمل الحكومي مازالت محدودة ومن ثم فهي لا تمثل منافسا مكافئا للقوتين اللتين سبق ذكرهما.
لابد أن السلطة في مصر تدرك أن المنافس الوحيد والشرس الذي يجب إزاحته الآن هو الإخوان، وقد مضت قدما في هذا الإطارمعتمدة على عدة أدوات منها القضاء والإعلام و التشريع بهدف محاصرة مناضلي وقيادات الإخوان في مقابل ترسيخ وتقوية الأساس الاجتماعي للقوات المسلحة ومنح موطئ قدم لشخصيات وتيارات محسوبة على النظام القديم تم كل هذا بهدف إعادة تشكيل الواقع السياسي في مصر ليخدم تفوق العسكري على المدني والفلول على حساب القوى الثورية، وإعادة تنظيم الإخوان إلى المربع صفر الذي كانت فيه قبل ثورة يناير
تمهيد:
يقول الأديب الألماني الكبير غوته: "إنّ الإنسانَ لم يولد ليحل مشاكل هذا العالم، ولكن ليحدد مكمنها، وبالتالي يتمكن من ضبطها في مفاهيم واضحة".1*
ربما تشكل هذه المقولة خلاصة ما حاول قوله ماكس فيبر في دراساته الإبستمولوجية والميتودلوجية في إطار العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة. الوضوح، الدّقة، الضّبط، الثّبات، صفات يأمل فيبر أن تصل إليها مفاهيم العلوم الثّقافيّة. لقد وعى تمامًا أنه لا يمكن لنا أن نُخضع الظواهر الإنسانيّة للمناهج المطبقة في العلوم الطّبيعيّة، إننا لا نتعامل هنا مع مادة جامدة يمكن لنا ضبطها كميًا ورقميًا، كما في الظواهر الفيزيائيّة، بل نحن نتعامل مع الأفعال الإنسانيّة، بتداخلاتها النّفسيّة، والتّاريخيّة، والاجتماعيّة. ولكن بالمقابل لا يمكننا أن نترك الأفعال الإنسانيّة من غير محاولات فهم وتفسير للكيفية التي تسير عليها، ومن ثمّ إمكانية التنبوء بها مستقبليًا. ومن هنا بدأت محاولات "فيبر" في صياغة مفاهيم واضحة ودقيقة للعلوم الثقافية، لكي يحاول فهم الفعل الاجتماعي تفسيريًا. وننوه هنا إلى أن مصطلح علوم ثقافيّة "Kulturwissenschaften" هو المصطلح الذي ورثه فيبر عن الفيلسوف ريكرت "Heinrich Rickert" بوصفه أحد أتباع المدرسة الكانتيّة الجديدة"Neukantianismus" ، والّذي يقصد به العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة والّتي تشمل عادةً حسب تصنيف نظرية المعرفة الألمانيّة: علم النّفس، علم الاجتماع، علم الاقتصاد، علم السّياسة، علم التّاريخ، علم التّربيّة، الإعلام، الإنتربولوجيّة، علم الآثار.
تتمثل قيمة الفكر السياسي في قدرته على بلورة أسس تأسيس الدولة، وإن حدثت أزمة انقسام وتناقض، ففي قدرته على تجاوز أزمة الانقسام، وإن حدثت مواجهة بين المبدأ والبدائل ففي قدرته على تجاوز الصدام مع البدائل والحفاظ على المبدأ وتجاوز الأزمة.
إن الفكر السياسي الأمريكي إلى نهاية عصر (روزفلت) يكاد أن يمثل أحد منجزات الغرب الراقية في الميدان السياسي، لاسيما في إدارة واحدة من أكبر دول العالم وأهمها، ويتمثل رقيه ليس في كثرة مدارسهم الفلسفية وتنظيراتها، كما هو عليه الحال في أوربا مثلًا، وإنما في عمليته وواقعيته وعقلانيته التي استقاها من مرجعيات فلسفية متعددة لم يكن الفكر الإسلامي ومصادره الأصلية غائبة عنها، وإن غابت الإشارة إليها، وهذا شأن الفكر الغربي بعامته، فهو كثيرا ما يتجاهل مصادره المعرفية الشرقية وفي مقدمتها (الإسلام) وفكره، في حين يشير إلى المرجعيات الغربية مثلما يفعل محررا كتاب "الفكر السياسي الأمريكي" نورتون فريش وريتشارد ستيفنز، إذ يحيلان جملة الفكر السياسي الأمريكي إلى مرجعية يعدونها الأساسية، وهي فلسفة (جون لوك) التي تؤكد على أن الأفكار تكتسب عن طريق الخبرة العملية وهي بالتالي تشكل المادة الأساسية للمعرفة نفسها، وهو الذي يؤكد في مقاله عن "الفهم البشري" على أن مهمتنا هي أن نعرف لا كل شيء، وإنما فقط ما يهم سلوكنا وحياتنا العملية، ومقدرتنا تتسع لمثل هذه المعرفة .
توجد تصانيف – مفترضة - كثيرة لأنواع المعارف في التّراث البشري؛ فمثلًا هناك من يصنفها على أساس طبيعتها العامة، فهي: "تجربيّة أو نظريّة (تجريديّة)". وهناك من صنفها على أساس الموضوع، فهي: "طبيعيّة أو إنسانيّة أو اجتماعيّة". وهناك من صنفها على أساس مراحل التّطور التّاريخي الّذي مرت به معرفة الإنسان، فهي: "حسيّة ثمّ تأمليّة (روحيّة) ثمّ علميّة تطبيقية".
ولكن مع نمو المعارف البشريّة وإجراء الدّراسات والمجالات البحثيّة كان لابد من إعادة النّظر في هذه التّصنيفات القديمة، لذلك تمّ المزاوجة أو الجمع بين هذه المحددات – السّابقة - لخلق تصنيف أشمل للمعرفة. فقد روعي: البعد التّاريخي في نمو المعرفة، إلى جانب الطّبيعية العامة التي تميزها، إلى جانب الموضوع الخاص الّذي تعمل عليه، وهذا كلّه في إطار إخضاعها إلى محدّد أعم، وهو: المجال العام المشترك الّذي تنشط فيه المعرفة.
يروج أنصار تكنولوجيا النانو بشكل متزايد إلى أنه يمكن وصفها بتكنولوجيا النانو "الخضراء"، والتي سيكون من شأنها تحسين الأداء البيئي للصناعات القائمة، وستحدّ إلى قدر كبير من استهلاكنا للموارد والطاقة، وبالتالي ستسمح لنا بتحقيق التوسع الاقتصادي الحميد بيئيًا. ولكن على صعيد آخر، يظن آخرون أن تكنولوجيا النانو ستزيد من التوسع في استهلاك الموارد والطاقة، وستزيد من التلوث والانبعاثات والنفايات، بل ستضيف مجموعة جديدة متكاملة سيكون لها مخاطر بيئية خطيرة.
التشكيك:
أنصار تكنولوجيا النانو على ثقة بأن تكنولوجيا النانو سوف تحل مشاكل التلوث، ومشاكل ندرة المياه وتلوثها، وتقلل الانبعاثات التي تسبب فوضى المناخ. ولكن فشل كثير من الصناعات السابقة لتكنولوجيا النانو خلقت حالة من التشكك، حيث يُظهر التاريخ أن العديد من التقنيات السابقة التي طرحت والتي سبقتها ووعدت بمكاسب الكفاءة فشلت في أن تكون متصالحة بيئيًا، هذا الأمر يدفعنا لتبني الرأي الذي يقول: بأنه ينبغي أن تُعامل الحلول التي ستقدمها تكنولوجيا النانو بقدر كبير من الحذر؛ حيث أن تجربتنا حتى الآن مع هذه التكنولوجيا تشير إلى أن الصناعة النانوية لا تزال تسعى لوضع الأرباح على المدى القصير قبل سلامة البيئة.
بذرة وُجدت في تربة، رَبَت مريضة من أخلاط مياه ورفعت عودًا رقيقًا هينًا تعلن به حياة ضعيفة، لكن الجذور الغضة أحست بماء لؤلؤي غني طيب ينساب بين الأخلاط ويدنو ثم يغمرها ويصل قلبها فاستعذبته وانتفضت تعوض ما فاتها. انتشى العود واخضر وأضحى شجيرة تعجب الناظرين. لكن الحال تبدلت بغتة بعدما ألفتها الشجيرة. هبت ريح جافة من كل صوب واغبرّ الجو. تشققت الأرض وتجافت عن الجذع والجذور وانقطع الماء العذب وبقيت الأخلاط. تعاظمت المعاناة وتنكرت الحياة. خفتت نبضات الشجيرة في جنباتها متعللة بمياه منفرة وهواء رديء، وتكلفت بجذعها وأفرعها وقلبها الصبر والصمود في ريح كاتمة قاسية تقتلع وتخرب وتجلب الغثاء. طال عهد السوء وذبلت الشجيرة وذهب لونها وظلها ووقف نموها فاستدقت أغصانها وسال دمعها علقمًا ملتهبًا من بين الشقوق والأجراح واستسلمت للموت. قاربت آخرُ ورقة السقوط وأوشك طائفُ الأجواء يقتل الشجرة ويمزق لحاءها ويغري بها الفؤوس.
الصفحة 72 من 432