أود في البداية أن أوضح أمرًا مهمًا ألا وهو أنني لست ضد أن تثور الشعوب لتحصل على حريتها وكرامتها وتستعيد مجد أمتها وتحصل على المكانة التي تليق بها بين الأمم. بل على العكس من ذلك فإنني ممن يؤيدون هذا وبشدة وعندي قناعة تامة أنه لا تقدم ولا رقي وازدهار لهذه الأمة إلا من خلال الحصول على الحرية والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص، وكل تلك المسميات النبيلة التي لا نعرف عنها إلا ما نسمعه عن الدول الغربية وطريقة تعامل الحكومات مع شعوبها وطريقة تعامل مواطنيها فيما بين بعضهم البعض، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه وبشدة في تلك اللحظة الفارقة في تاريخ أمتنا: هل ما يحدث الآن في تلك المنطقة (المنطقة العربية) والذي تسميه الولايات المتحدة بـ (بثورات الربيع العربي) حراكًا شعبيًا محض (ثورات عربية) أم فخ وقعنا فيه (فوضى خلاقة)؟!
ما يميز الجاهلية التي حذر منها الإسلام، هو الآلهة التي اخترعها البشر وصنعوها بأيديهم ثم أضفوا عليها هالة القداسة والتعظيم، ثم ما لبثوا أن جعلوها واسطة بينهم وبين الإله الحقيقي، ولم يستطيعوا الانفصال عنها أو التخلي عنها، رغم اعترافهم بأنها لا تنفع ولا تضر، ولا تملك لنفسها حيلة كما لا تستطيع دفع شر عنها، لكن الحقيقة الصنمية لا تتجسد في الحجر أو حوادث الطبيعة، بقدر تجسدها داخل النفس التي يقبع في أعماقها الأفكار التي تعد اللبنة الأولى لصناعة الأصنام. لذلك، يصح لنا القول بأن تجليلات الحالة الصنمية تختلف في التجسد الخارجي مع ثباتها في المصدر الداخلي، ومعنى هذا أن أشكال الأصنام تختلف من عصر إلى عصر، ومن زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان. فقد يكون الصنم في عصر ما حجرًا وفي نفس الزمن مع اختلاف المكان قد يكون ظاهرة طبيعية كجبل، أو كوكب، أو... وقد يكون في عصر ما إنسانًا، أو فكرة، أو أداة، أو...
هل يستطيع المرؤ أن يعيش بلا مكتبة؟
الجواب ببساطة :نعم.
ولكن أن أنام على الشوك أهون لدي من أن أنام بعيدًا عن مكتبتي.
فمكتبتي تملأ غرفة جلوسي وممرات بيتي وغرف النوم الثلاث، فأنا أعيش وسطها.
مكتبتي ترافقني إلى السرير ولا تتركني حتى أنام وترقد بجواري تحرسني إلى أن أستيقظ.
جلستْ في الغسق على مقعد إلى جانب النهر، تتأمل السماء التي بدأت غيوم الخريف تتراكم فيها، وقد بدأت تحجب شيئًا فشيئًا ضوء النهار، تُنبئ بعاصفة قريبة الهبوب وتُلقي على صدرها المزيد من الثقل، كان الأسى يعتصر قلبها بعنف ويكاد يزهق أنفاسها وهي تستعيد مسيرة حياة استمرت فيها معاناتها منذ نعومة أظفارها وإلى أن بلغت الثلاثين.
كم كانت قد تلقت من صدمات قتلت في نفسها الأمل وأنهكت قلبها الذي لم يعد يتسع للمزيد من المعاناة، ما جعلها تشعر بأن قلبها لم يعد فتيًا وبأنها رغم كونها لاتزال في سن الشباب قد تخطو خطوات سريعة نحو الخريف، وبأن العدّ التنازلي لحياتها قد بدأ يتسارع.
يشكل البعد الرابع Forth Dimension - إضافة للأبعاد الثلاثة- الفراغ على نحو نظامي. وكثيراً ما يعد الزمن كبعد رابع، وهو التمثيل الذي شُجع كثيراً في الهندسة الإحداثية التي يمثل الزمن فيها روتينياً كمحور خطي. بمعنى آخر فإن البعد الرابع صار زمن الحدث، ممثلاً على الإحداثي الرابع لفضاء رباعي الأحداث للمكان والزمان (فضاء زمكاني أو فضاء مينكوفسكي(.
البعد الرابع كزمان أضافته النظرية النسبية لآينشتاين إلى أبعاد المكان الثلاثة المعروفة وهي الطول والعرض والارتفاع. فحتى نستطيع تحديد موقع طائرة فإننا نحتاج إلى البعد الرابع. لأنه لا يمكن تحديد موقع طائرة متحركة بثلاثة أرقام، وحتى نستطيع تحديد موقع طائرة في الجو، بمجموعة الأرقام (6,4,2) مثلاً، فإننا نحتاجإلى بعد رابع هو الزمن.
في أوائل القرن العشرين أدرك عالم الرياضيات هيرمان مِنكوفسكي أن نظرية النسبيةالتي أطلقها العالم الفيزيائي ألبرت أينشتاين وصفت كونًا ذا أربعة أبعاد. وكما يرىمنكوفسكي فإنالبعدالزمني يندمج مع الأبعاد المكانية الثلاثة ليشكلالزمان- المكان(أو اختصاراً: الزمكان)بعد ذلك بدأ الرياضتيون بدراسة أشكال هندسية ذات أربعة أبعاد أو أكثر.
قرأتُها قبل أن أعرفها أو ألتقيها، فشدني بروز بنائية لغتها، ورصانة فكرها، في خلفية مشهدها النقدي السهل الممتع الممتنع الذي ينزل إلى فهوم وألباب المتخصص والهاوي، دون التعالي على القاريء المحب المتابع لحركة النقد الأدبي العربي بعامة والمصري بخاصة، فيأتي مقالها خلوًا من التقعير والاستشهاد بغوامض المصطلح، وأقوال المفكرين من نقاد مدارس النقد الغربي التي تجيد الانتقال بينها بخفة وخبرة.
إنها الدكتورة أماني فؤاد أستاذ النقد الأدبي التي رصدتُ أفكارها المتنوعة التي أتفق مع أغلبها، وأختلف مع بعضها، فكتبتُ عنها دراسة وافية من منظور نقدي لحركتها الثورية السائدة داخل نقدها، وإبداعها، ومقالاتها، والتي تأتي متناغمة ــ لا فجة ولا مصطنعة ولا نشاز ــ مع تكوينتها الفكرية الثائرة.
وكان أن هاتفتها لتكتب لي مقدمة لمجموعتي القصصية التي أوشكت على الصدور، فاعتذرت بأنها لاتحسن القراءة من الكمبيوتر، وخيرتني بين أن أرسلها بريدًا أو ألتقيها فاخترت أن أربح اللقاء، ومثلها يسعى إليه.
اختارت اللقاء في حديقة المجلس الأعلى للثقافة بعد أن تكبدتْ ــ مشكورة ــ عبء الانتقال من مقر عملها البعيد عن مكان اللقاء، وأتيتُها قاطعًا الفيافي والقفار من محافظة غير قريبة أيضًا، لأتفاجيء بسيدة هادئة الملامح، مريحة النبرات، مهذبة العبارات، مصرية القسمات، تمتزج في ثناياها بصمة الريف وتوقيع المدينة، غضبها يكمن في عقلها، وثورتها تسكن قلبها، فعندها المباديء تفاعلاً لا افتعالاً، فجاء اللقاء غير ثوري على غير ما توقعت، يحمل حديث الوفاء عن أساتذتها، وماذا استفادت منهم، وماذا توقعوا لها، وهو حديث إن غابت عنه الثورة فلم يزايله أمارات الثقة، والاعتداد بذاتها، والانتشاء بما أنجزت وستنجز.
الصفحة 65 من 432