في آخر زيارة لقريتك (قرية «السلام») التي لم تكن مُسالمةً أبداً معك، قالت سميرة، وهي تحرص على أن تبدو أساورها من يديْها السمينتيْن: ـ الدار بوضع اليد، ولن أخرج منها. وقالت وهي تبتسم: ـ لو أنصفتَ لتركتَ نصيبَك في الدار لي! ـ نصيبي؟
لا يوجد لدينا غرف شاغرة...
كانت هذه العبارة أخر ما يتمنى سماعه من موظف الاستقبال.
قال له وهو يحاول أن يكون دقيقاً في اختيار عباراته:
أريد غرفة.. الليلة فقط....وغدا مع الصباح أغادر بأذن الله.
يوجد لدينا سرير شاغر في غرفة زوجية. أجاب موظف الاستقبال.
موافق .موافق هى ليلة فقط.....قالها بسرعة حتى لا يغير موظف الاستقبال رأيه.
تنحنح موظف الاستقبال وبانت الجدية على وجهه وقال:
هناك أمر أخر يجب أن أخبرك به....هذا النزيل غريب الأطوار وعصبي جداً ويكره الإزعاج فحاول أن تكون حذراً معه.
أتذكرين أول مرة رأيتك فيها؟ في الحقيقة لم تكن رؤية كما هو معهود. أتذكرين؟ تلك الورقة الصغيرة التي جاءتني يوم كنت لا تزالين طالبة في المدرسة؟
ألقت حقيبة يدها فوق كرسي مجاور وابتسمت.
" كل إنسان تعجزون عن تعليمه الطيران
علموه على الأقل أن يسرع بالسقوط."
فريديريك نيتشه،
هكذا تكلم زرادشت
(الترجمة العربية) ص.239
زحف بكرسيه المتحرك على سطح العمارة صوب الطفل الذي يرقب أسراب العصافير المتزحلقة على زرقة السماء ثم ربت بكفه الباردة على دفء الذراع الصغيرة هامسا :
- تذكرني كثيرا بأخيك عباس...
تنهد الصغير، ثم :
- أكان يعشق العصافير أيضا ؟
- حتى الجنون ...
- ليحكي كل منا ظروف وأسباب ودوافع إقدامه على الهجرة.
- تذكر أنه ليست معنا سلطة تخيفك أو تسجل أقوالك. فكل المنصتين إليك مهددون بالموت غرقًا خلال هذه الرحلة. فلا تخف فضيحة أو تشهيرا من أحد. وكن، وأنت تحدثنا، كمن يحتضر وهو يرى أمام عينيه الحقيقة التي ظل يؤجل مواجهتها طول حياته...
- شرطكم مقبول، يا رفاقي في الغرق. وهذه قصتي...
كان منظره يثير الرعب في الأوصال، يتمايل كطائر مذبوح و هو يتجه نحو البيت ، بخطى متأرجحة كغصن مكسور تتلاعب به الرياح.
عندما وصلت إليه لاحظت الدم يسيل على صدره، و هو شبه مغمض العينين، تقوده حاسة الحنين وحيدة إلى المنزل.
امرأة ذات جسم ممتليء وعينين خضراوين ، عندما كانت طفلة أخذتها أمها إلى جماعة من النور زرعت لها نقاط من الوشم أسفل الشفة السفلى ، تلك المرآة لها ذاكرة حديدية ،