تمرّ المملكة العربيّة السعودية في الظرف الراهن بأزمة دقيقة و خطيرة للغاية قد يؤدّي عدم التحكم في مسبباتّها إلى إنتشار الزلزال الأمني في الخريطة السعوديّة من أقصاها وإلى أدناها ولا أحد يتمنى على الإطلاق أن يحدث هذا في أرض الحرمين .
وتذكرّني الأحداث التي عرفتها المملكة العربية السعودية ببدايات الأحداث في الجزائر حيث كان الرسميون الجزائريون يتوقعون أنّ الحريق الذي أعقب إلغاء المسار الإنتخابي الذي فازت فيه الجبهة الإسلامية للإنقاذ في كانون الأول – ديسمبر 1991 محدود ويمكن التحكم فيه .
ليس من حقنا القول بأن التطرف الديني اختراع إسرائيلي صرف، وإن الإرهاب صناعة أوروبية شارك فيها المسيحيون واليهود، وإذا اعتبر التاريخ الإسلامي الحجاج بن يوسف رجلا باطشا ودمويا فإنه يبدو تلميذا خائبا لدهاقنة القتل والتعذيب في أوروبا: هتلر في ألمانيا وموسوليني في إيطاليا وسالزار في البرتغال وستالين في روسيا وفرانكو في إسبانيا،.. وعلينا أيضا أن نعدل مناهجنا الدراسية بحيث لا يرد فيها ذكر أن الولايات المتحدة هي أول دولة استخدمت أسلحة الدمار الشامل ضد المدنيين وأنها الدولة الوحيدة في التاريخ التي استخدمت السلاح النووي لإبادة البشر،
بريق الثورة الجزائرية الذي خطف الأبصار وأضاء الطريق للكثير من دول العالم الثالث وحركات التحرر لعدة سنوات بعد الاستقلال ، سرعان ما بدأ ينطفئ في عقد الثمانينات، ولم يفلح القائمون على أمر الجزائرأن ينقلوا النجاح الذي حققته الثورة إلى ساحة "الدولة المستقلة" لسبب بسيط وهو أنهم لم يطهروا "الجهاز الجديد" من الانتهازيين واليساريين ودعاة الفرنسة والادماج، ولم يستمروا في تجسيد مقررات "بيان نوفمبر" بعد أن استعانوا بالتجارب الوافدة غير الصالحة.. والنتيجة فشل ذريع في كل السياسات ، وصراع مستمر بين الدولة والمجتمع، ظهرت تجلياته أكثر خلال أحداث أكتوبر 88، ومازالت فصوله وحلقاته مستمرة إلى يوم الناس هذا..
لو نرجع إلى الوراء قليلا قبل الإعلان الرسمي عن هدنة مقررة من طرف الجيش الإسلامي للإنقاذ بزعامة مدني مزراق في الفاتح أكتوبر 1997 .. نجد أن الاتفاق الذي بموجبه قد تم بين الطرفين المتصارعين .. الجيش الشعبي الوطني والجيش الإسلامي للإنقاذ كان محاطا بسرية تامة من كلا الجانبين .. بل أن النظام الجزائري آنذاك لجأ إلى حيلة ذكية جدا كي لا يحدث تشويش و ينفي أي اتصال مع هذه المجموعات المسلحة.. والتي كان يصفها بالخارجة عن القانون والمجرمة والمتعطشة للسلطة .
عندما يشرّح الباحث مفردات الخطاب العربي والإسلامي يجد أنّ هذا الخطاب في معظم أبعاده يحمّل الآخر وتحديدا الغرب والحركة الصهيونية وغيرهما مسؤولية تراجعنا الحضاري.
ولعلّي أتفق مع الأستاذ مالك بن نبي الذي يرى أنّ العوامل الداخلية هي التي أجهضت نهضتنا و أنّ العوامل الخارجيّة إستثمرت هذه العوامل الداخلية و إستغلتها لصالحها .
وقد حضرت ذات يوم محاضرة دينية في مسجد يقع في دولة غربية وكان المحاضر قادما من العالم الإسلامي ولم يحمّل نفسه عناء قراءة الواقع الذي جاء إليه ليدعو الناس فيه إلى الطريق القويم , و تعامل مع الواقع كما لو أنّه يقع في الجغرافيا العربية أو الإسلامية , ومما قاله هذا المحاضر بالحرف الواحد وبدون نقيصة من كلامه :
أعرف أنني قلت في الفول أكثر وأسوأ مما قاله بوش في صدام حسين، ولعل القاسم المشترك بيني وبين بوش، هو أننا نذم شيئا أو شخصا ينبغي أن نحفظ له الجميل، فلولا الفول لكان أبو الجعافر في ذمة الله، ولكان أهلي يذكرون محاسني طوال الثلاثين سنة الماضية على الأقل، ولولا صدام لبقي بوش بلا قضية يلهي بها الشعب الأمريكي ويتنمر ويتعنتر على بقية الشعوب،