مُذ رأيتها أول مرة حينما كنت في الابتدائية، وأنا أتجنبها، وتأبى هي إلا أن تلاحقني في كل مكان؛ في مكتبة المدرسة وفي متاجر الكتب! كان على غلافها ثلاثة كلاب بعيون دائرية هائلة وجاحظة تنشر الرعب في نفسي كلما طالعتها.
ورغم انتمائي لجيل تشكل وعيه القرائي من خلال سلاسل قصص "المكتبة الخضراء للأطفال" و"ليدي بيرد"، إلا أن قصة "القداحة العجيبة" كانت قصة لم أود قراءتها. لم أجسر أن أقرأها إلا هذا العام، وحينها اكتشفت الذي ما كان لي أن أكتشفه لو أني قرأتها حينما كنت طفلة.
* * * * * * * * * *
القصة كتبها الكاتب الدانماركي هانس كريستيان أندرسن ونشرها عام 1835. ولأندرسن الكثير من قصص الأطفال الشهيرة منها "ثامبلينا"، و"حورية البحر الصغيرة"، و"البطة القبيحة".
ونجد لعنوان القصة أكثر من ترجمة؛ "القداحة العجيبة" (ترجمة المكتبة الخضراء) أو "العلبة العجيبة" (ترجمة مكتبة لبنان). والعلبة أو القداحة التي تتكلم عنها القصة هي عبارة عن صندوق صغير كان يُستخدم في أوربا لحفظ أدوات قدح النار، ويحوي غالبا حجر صوان، ومقدحا حديديا، وأعواد ثقاب، وبعض المواد القابلة للاشتعال مثل الفحم أو غيره.
هي قصة جندي يقابل ساحرة تطلب منه النزول داخل جذع شجرة وإحضار قدّاحة جدتها، حيث سيمر ثلاث غرف، وفي كل غرفة كلب مخيف يحرس كنزا. ويمكنه -إن هو فرش مريلتها- أن يروّض الكلاب ويأخذ ما يريد من العملات الثمينة لقاء إحضاره القدّاحة لها. عند خروجه، يصرّ الجندي على معرفة سر القدّاحة، فيشتبك مع الساحرة ويقتلها (هذا في القصة الأصلية، أما في النسخ المعدّلة يهددها فتهرب). يُثرِي الجندي، ويسمع عن بنت الملك المحبوسة عن الأعين لأن عرّافة تكهّنت بأنها ستتزوج جنديا من العوام. تهفو نفس الجندي إليها، إلا أنه يبدد ثروته قبل أن يستطيع إليها سبيلا. وفي ليلة معتمة في سكنه المتواضع، يشعل قداحته فيكتشف أنه بذلك يمكنه استدعاء الكلاب العجيبة. فيعود ثريا بعد أن صارت الكلاب تلبي كل طلباته. يطلب الجندي من أحد الكلاب أن يُحضر الأميرة إليه خلسة وهي نائمة ليراها، ويفعل الكلب. وحينما تروي الأميرة أنها رأت في منامها أن كلبا يحملها على ظهره لتلتقي بجندي، يُراع أهل القصر برؤاها. تتبع إحدى عجائز القصر الأميرةَ مستعينة بحذائها السحري، وتؤشر باب قصر الجندي بعلامة. إلا أن الكلب يفطن إلى الأمر ويؤشّر بقية الأبواب. تربط الملكة كيس حنطة مثقوب بظهر الأميرة، فيهتدون بذلك إلى مكان قصر الجندي، ويقبض عليه ويجازى بالإعدام. لكنّه -وقبيل إعدامه- يستحصل على قداحته وينادي الكلاب لتحرره، وتدق عظام القاضي والملك والملكة (هذا في النسخة الأصلية، أما في النسخ المعدلة فيقتنع الملك بجدارته)، وينادي به الجنود والعوام ملكا للبلاد وزوجا للأميرة.
في كنوز تاريخنا تنوعت مذاهب الناس لكنهم سائر مراحل حياتهم اتفقوا على الإنسانية والكرامة والمساواة، فالأخبار والعلوم والآداب لم تؤخذ وتعطى وتربو إلا بين بشر لم يتمايزوا بغير ما يأخذ أحدهم ويترك من غذاء العقل ورواء القلب وسلامة المنطق. لا يكون ازدهار ولا ابتكار ولا إعمار إلا بتعامل صادق معبر شفاف. نقارن ذلك بحاضرنا فنجد مخلوقا يكلم مثله بصيغة الجمع فيتلجلج عن بيان الحق ورواية الواقع، فإن سألته في ذلك قال بأنه من واجب الاحترام! إلا أننا لا نجد ذلك الاحترام المزعوم متخذا بصيغة الجمع مع أعظم الناس وسيد كبيرهم وصغيرهم عليه الصلاة والسلام ولا مع صحابته العدول رضي الله عنهم، فهي إذن صيغة مبتدعة. نجد الاحترام في أدبنا وثقافتنا ودستورنا هو الصراحة والأمانة والحقيقة بلا إضافات تعيقها بل تمنعها، وأي غلو في الخطاب بين أسلافنا وأعلامنا كان ضد الإحترام لأنهم يشتمون منه المصانعة التي تنكرها عقولهم القويمة وتمجها نفوسهم العزيزة. وفوق هذا وقبله نحن ندعو مولانا جل جلاله بصيغة المفرد. قد يقول قائل إن الله فرد لا يجوز أن تكلمه بصيغة الجمع، فلنسأل عن عبد الفرد، عن أي عبد نخاطبه بصيغة الجمع: لم التكلف في مخاطبته؟ وإن كان قدره معروف حقا فهو غني عن أن يذكّره ومن حوله أحد بمخاطبته بصيغة الجمع.
تعددت المؤشرات والعوامل التي ساعدت إلى حد كبير في ظهور وانتشار جل مكونات المجتمع المدني بالمغرب إلا أن أبرزها هو المتجلي ثقافيًا في التنوع البشـري والثقافي والجغرافي الذي يطبع المغرب عبر مختلف مناطقه، وهو المؤشر الذي من شأنه أن يساعد على نشر الوعي الداعي إلى حماية المجتمع المدني، بشتى فعالياته وفي سائر مناحيه.
أ* التنوع الثقافي: وهو مفهوم يرتبط بعمق كيفي للظاهرة الثقافية الواحدة، حيث أن نفس البراديغم الثقافي يجد له التحققات والتجسيدات والتوصيفات المتعددة عبر مختلف مناطق وجهات المغرب، فالتنوع يرتبط أساسًا بالكنـه(Essence) لا بالكم. وهنا، فإن نجاح أي مشروع تنموي يرتبط بطبيعة الخصوصيات الثقافية للمجال أي مراعـاة التنوع الثقافي وعدم المجازفة باتخاذ خطوات قد لا تحظى بالرضى والقبول من طرف الفئات المستفيدة لتعيق في نهاية الأمر كل الآمال في بناء الغد المشرق للمجال الكائن. لهذا، لا يمكن تصريف المشاريع التنموية خاصة في التراب المحلي، إلا في سياق تناغم تام وإندغام كامل مع الخصوصيات الثقافية المبلورة لمجموع القيم الرمزية والتعابير المادية السائدة لدى الأفراد والجماعات، حيث أن مجموع هذه المضامين الثقافية المرتبطة بجدلية التمازج(Métissage) والتكامل والتفاعل والتداخل والالتقاء يحددها - كما يرى ذلك اللساني المغربي سعيد بنيس - نوعين من المنطق الثقافي: منطق غير منظم يتعايش مع الأفراد في حياتهم اليومية ومنطق منظم يؤطره فاعلون منضويون تحت هيئات مجتمعية مدنية لها تصورها الخاص للمشروع المجتمعي في شقه الثقافي (كالجمعيات الثقافية مثلاً).
لم يفرض علينا الله تعالى الصيام في شهر رمضان من أجل أن نجوع ونعطش ونتعب، وإنما هناك مقاصد وأهداف وحِكَم كثيرة لهذه العبادة، ولا تدرك عقولنا المحدودة إلا بعض هذه المقاصد والأهداف والحكم، ومنها:
1- الصيام وسيلةٌ لتحقيق تقوى الله عزّ وجل:
إن أهم مقصد من مقاصد الصيام تحصيل تقوى الله عزّ وجل، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة:183(.
ويعد الصيام مدرسة صحية وتربوية واجتماعية، مبنية على الصبر، ومخالفة النفس، وكسر الشهوة واحترام النظام، والتزام الجماعة والإحسان إلى الفقراء، ومواساة المساكين والمحتاجين، وتطهير الروح والانشغال بلذة العبادات من صلاة وذكر، وقيام واعتكاف وتلاوة للقرآن الكريم .
وللصيام فضائل كثيرة ومعانٍ سامية جليلة، نذكر أهمها على النحو التالي:
1- إضافة الصيام لله ـ تعالى ـ تشريفًا لقدره وتعريفًا بعظيم أجره:
عن أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: "قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ" (متفق عليه).
وفي رواية لمسلم: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ: "إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي".
في دراستنا لبعض أصول النحو تراءت لنا فروق صارخة في دراسة اللغة بين الشرق والغرب وذلك من خلال دراستنا لمضامين أصول النحو ومضامين اللسانيات والتي نحاول إبرازها من خلال مقالنا هذا. لقد اعتمد العرب القدماء على أربعة أسس وهي السماع والقياس والإجماع واستصحاب الحال في معالجة قضايا النحو والتصريف ولقد سيطرت تلك الأسس على تفكيرهم اللغوي وتعد هذه الأسس الإطار الذي يشكل البحث المنهجي في علم أصول النحو عند القدماء، ونجد النحويين قد تأثروا بأصول الفقه فاستعاروا أبوابًا منها وتطبيقها في مجال الدرس النحوي واتباع طرق الفقهاء في ترتيب المسائل النحوية وغيرها من الأمور، وبالتالي فأصول النحو تأثرت بمضامين أصول الفقه فقد حافظ النحويون على أصول النحو والجو الذي نشأ فيه وتمسكوا به ودرسوا مراحله.
الصفحة 50 من 432