حينما كان الشعر ديوان العرب، كانت العرب تقول "أعذَبُه أكذبه". وحينما صارت الرواية ديوان العرب وديدنهم، صار "أعذبه أوقعه"!
1- هذا الأديب برعاية ...!
للأمانة، من الصعب أن نفصل عن الكذب المباح؛ فهناك عقد ضمني بين الأديب والقارئ/السامع بأن ما يرد من أحداث هو خيال كامل أو جزئي، وبأن هذه التراكيب لا تصح فعلا، إنما في أسلوب أدبي. بل لربما من الصعب فصل اللغة عن الكذب، فالمجاز يحتل قسما لا بأس به من اللغة، وهو –عمليا- نوع من الكذب. لكن الناس تواضعوا على قبوله. ومن قالوا أن أعذب الشعر أكذبه. وليس عن كل هذا أتكلم اليوم، بل أتكلم عن نوع آخر من الكذب، فقد بالغ بعض (أو حتى كثير من) العرب في التجوز في الكذب، فخرجوا عن الكذب الأسلوبي والكذب في الأحداث إلى التزلف وإلى استخدام الشعر مثلا كأداة إعلامية "بروباغاندا" لكياناتهم الاجتماعية في الجاهلية، وإلى وسيلة للمدح الارتزاقي كثير بعض الحقب.
تطرأ على الأصواتُ جُملةٍ من التغيُّرات ؛ بعضُها يتعرَّض له جميعُ الأصوات كالإدغام والإبدال والقَلبُ المكاني والحذف، وتغيُّراتٌ أخرى تختص بصوامتَ دون سِواها كتلك التي تصيب الهمزة والتاءات والراءات واللامات والنون الساكنة ([1]) . ولعلَّ أهمَّ التغيرات الصوتية المتصلة بالضاد ظاهرتان اثنتان هما : الإدغام والإبدال ويرجعُ ذلك أساسًا إلى نسبة الاستعمال (الشيوع) المُتدنِّية لهذا الصوت، والتي تبلغ الستة من كل ألف.
الإدغام :
تعريفه : هو أن تصل حرفًا بحرف مثله، من غير أن تفصل بينهما بحركة أو وقف؛ فيَنبُو اللِّسان عنهما نَبوةً واحدة ([2]). ويكون الإدغام إذا تقارب الحرفان مخرجًا، وتحقَّقت المُجاورة بينهما بأن سُكِّن أولهما أو جاز إسكانه ؛ فينتُجُ عن ذلك صوتٌ مُضعَّفٌ ([3]) (مشدَّدٌ).
سببه وفائدته : الإدغام كغيره من الظَّواهر التي تَنشَأُ بتجاور الأصوات يهدِفُ إلى تحقيق أمرين ؛ الأول : السُّهولة في النطق عن طريق التَّقريب بين صفات الأصوات المتجاورة، والآخر: الاقتصاد في المجهود عن طريق اختصار حركات أعضاء النطق. فالمتكلِّمُ يَلجَأُ إلى الإدغام فِرارًا من الثِّقَل النَّاتج عن عَودة اللسان إلى المخرج نفسه أو مُقاربه؛ ففي النُّطق بالمتَّفِقَين أو المُتقارِبَين مخرجًا من الأصوات من المشقَّة - عند النحويِّين - ما يُضاهي مَشي المُقَيَّد يرفع رِجلا ثم يعيدها إلى موضعها وشبَّهُوه بإعادة الحديث مَرَّتَين ([4]) ، وذلك ثقيلٌ على المتكلِّم والسَّامع جميعًا .
وفيما يتعلَّق بصوت الضاد؛ فإمَّا أنْ تُدغَم هي في ما بعدها ، وإمَّا أنْ يُدغَم فيها ما قبلها، وسأبحث الحالتين معًا .
1- ما يُدغَم في الضاد :
أ- لام المعرفة : تُدغم في ثلاثة عشر حرفاً هي: «النون، والراء، والدال، والتاء والصاد، الطاء، والزاي، والسين، والظاء، والثاء، والذال. واللذان خالطاها: الضاد والشين» ([5]) . لكن لما كانت الأحرف التسعة الأولى كلها من أحرف طرف اللسان كان إدغام اللام فيها واجبًا، وهو «مع الضاد والشين أضعف؛ لأن الضاد مخرجها من أول حافة اللسان والشين من وسطه. ولكنه يجوز إدغام اللام فيهما، لما ذكرت لك من اتصال مخرجهما» ([6]) . فهذا التَّقارب المخرجي، إضافةً إلى كثرة دورِ لام التَّعريف في الكلام، حيث «تدخل في سائر الأسماء سوى أسماء الأعلام والأسماء غير المُتمكِّنة» ([7]) ، أجاز إدغام لام المعرفة في الضاد .
ب- لام (هل) و(بل) ونحوهما : يقول العُكبري – شارحًا كلام سيبويه - ([8]): «وقد أدغموها في التّاء والثّاء والرّاء والزّاي والشّين والصّاد والضّاد والطّاء والظّاء والنّون، إلاّ أنّ إدغامها في الرّاء حسنٌ ، وفيما عداها ضعيفٌ؛ وذلك نحو (هل ترى) (هل ثُوِّب) (وهل رأيت)، وكذلك الباقي» ([9]) . وإنما ضعُف الإدغام هنا كما ضعُف في سابقه، للبُعد النِّسبي بين مخارج تلك الأصوات -ومنها الضاد- ومخرج اللام، مُقارنةً بالرَّاء .
ج- الطاء والتاء والدال : قد تُدغَمُ : «في الضاد؛ لأنها اتصلت بمخرج اللام وتطأطأت عن اللام حتى خالطت أصول ما اللام فوقه من الأسنان، ولم تقع من الثنية موضع الطاء لانحرافها، لأنك تضع للطاء لسانك بين الثنيتين، وهي مع ذا مطبقة، فلما قاربت الطَّاءَ» ([10]) الضادُ فيما ذُكِر أُدغمت فيها، وأُلحِقَت بها أختاها التاء والدال، كما أُدغِمَت فيها السين والزاي إلحاقا لهما بالصاد ([11]) ، ويُمثِّلُ سيبويه لإدغام الطاء والتاء في الضاد بقوله : «وذلك قولك: اضبِضَّرَمه، وانعَضَّرَمة. وسمعنا من يُوثَق بعربيَّته قال : ................................... ثَار فَـضَـجــضَّــجــةً رَكائِـــبُـــــهْ فأدغم التاء في الضاد» ([12]) ، أي: تاء (ضجَّت) في ضاد (ضجَّة) لمخالطة الضاد التاء باستطالتها، وإن كانت من حافة طرف اللسان .
د- الظاء والذال والثاء : فهذه الأصوات الثلاثة «لأنهن من حروف طرف اللِّسان والثَّنايا، يُدغمن في الطاء وأخواتها، ويُدغمن أيضاً جميعاً في الصاد والسين والزاي، وهُنَّ من حيزٍ واحد، وهُنَّ بَعدُ في الإطباق والرخاوة كالضاد، فصارت بمنزلة حروف الثنايا. وذلك: احفَضَّرَمة ، وخُضَّرَمة ، وابعَضَّرَمة» ([13]) . فأُدغِمَت في ضاد (ضَرَمَة) ([14]) : الظاء من (احفظ)، والذال من (خذ)، والثاء من (ابعث) .
2 - ما لا يُدغَم في الضاد :
أ- الصاد والسين والزاي : ويُمنَع إدغام هذه الأصوات الثلاثة في الضاد الاستطالة الكائنة فيها؛ يقول سيبويه : «ولا تُدغَمُ الصَّادُ وأختاها فيها ، لما ذكرت لك ([15]) ؛ فكُلُّ واحدةٍ منهما لها حاجزٌ، ويكرهون أن يدغموها، يعني الضاد، فيما أُدغِم فيها من هذه الحروف، كما كرِهُوا الشين. والبيان عربيٌ جيد؛ لبُعد الموضعين فهو فيه أقوى منه فيما مضى من حروف الثنايا» ([16]) ؛ أي : أنَّ تباعُدَ المخرَجَين يجعل ترك الإدغام في هذا الموضع هو الأفصح.
3- ما تُدغم فيه الضاد : عَدَّ ابن جني الضاد في خمسة أحرف «يُدغَم فيهن ما قاربهن، ولا يُدغمن هن فيما قاربهن؛ وهي الرَّاء والشِّين والضاد والفاء والميم. ويجمَعُها في اللَّفظ : (ضُمَّ شَفرٌ)» ([17]) . لكنَّ تصرُّف النُّحاةِ، وعلى رأسهم سيبويه، يَقضي بأنَّ ما يُدغَمُ في الضَّاد على مراتب ؛ منه الجائز ، ومنه المكروه ، ومنه الممنوع . ولعلَّ قلَّةَ وُرود النَّوعَين الأوَّلين دفع بابن جني إلى رَدِّه والحُكم بشُذُوذه .
أ- الظاء والذال والثاء ؛ أما الثاء ؛ فنحوُ : بعض ثَمَرِه (بعثَّمَرِه) . وأما الذال فقدروي ذلك في قوله تعالى (الأرضَ ذَلُولاً) ([18]) (الأرذَّلولاً) عن أبي عمرو. وأما الظاء؛ ففي نحو:احفظ ضابطاً (احفَضَّابِطًا) ([19]) . ولم تجتمع الضاد مع الظاء إلا نادِرًا جدًّا؛ فعن شَمِر قال: لَيْسَ في كَلامِ العَرَبِ ضادٌ مع ظاءٍ غير الحُضَظِ، وهو دَواءٌ يُتَّخَذُ مِنْ أَبْوَالِ الإِبِلِ ([20]) ، واستدلَّ بقول الشاعر : أَرْقَشَ ظَمْآنَ إِذا عُصْرَ لَفَظْ أَمَرَّ من صَبْرٍ ومَقْرٍ وحُضَظْ ب- الشين ؛ من أمثلته في القرآن الكريم قراءة أبي عمرو الداني لقوله تعالى (لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ) ([21]) (لبعشَّأنهم) ، يقول ابن عادل الدمشقي : «وأدغمها أبو عمرو فيها ، لما بينهما من التَّقارب ، لأن الضاد من أقصَى حافة اللسان والشين من وسطه . وقد استضعف جماعةٌ من النحويين هذه الرواية، واستبعدوها عن أبي عمرو - رأس الصناعة - من حيث إن الضادَ أقوى من الشين ، ولا يدغم الأقوى في الأضعف وأساء الزمخشري على راويها السوسيّ . وقد أجاب الناس عنه ، فقيل : وجه الإدغام أنَّ الشِّينَ أشدُّ استطالةً من الضَّاد ، وفيها تَفَشِّي ليس في الضاد ، فقد صارت الضاد أَنْقَصَ منها ، وإدغام الأنقص في الأزْيَدِ جائز . قال : ويُؤَيّد هذا أن سيبويه حكى عن بعض العرب " اطَّجَع " في " اضْطَجع " ، وإذا جاز إدغامها في الطاء، فإدغامها في الشِّين أَولى» ([22]) . لما فيها من التفشي الذي يُشبِهُ الاستطالة ، فتقرُبُ بذلك من الضَّاد .
4- ما لا تُدغم فيه الضاد :
أ- الصَّاد والسين والزاي : فهذه الثلاثة مخرجها مما بين طرف اللسان وفُوَيق الثَّنايا، يقول سيبويه : «ولا تُدغم في الصاد والسين والزاي لاستطالتها، يعني الضاد؛ كما امتنعت الشين» ([23]) ؛ فمَنَعت الاستطالة إدغام الضاد في هذه الثلاثة، كما مَنَعَتها هي أن تُدغم فيها.
الإبدال :
تعريفه : هو إحلال حرفٍ مكان آخر، أو حركةٍ بدل أخرى، مع الإبقاء على سائر حروف الكلمة بترتيبها ، وحركاتها، ودلالة اللفظ دون تغيير؛ مُطَّرِدًا في كلام العرب كان الإبدال أو غير مُطَّرِد. ويُعرف الأصل من الفرع في الإبدال بأنَّ الآخِر أخفَّ من الأوَّل، وأنه يحقِّق من التَّجانُس ما لا يُحقِّقُه الأوَّل ([24]) . ومن المنطقي أن توجدَ بين الصوتين المُبدَلَين علاقة صوتيَّةٌ، إمَّا ضعيفة وإما قويَّة. ويميل بعض الباحثين من القُدامى والمُحدَثين إلى تخصيص (الإبدال) بالإحلال الذي يتقاربُ فيه الصوتان مخرجًا أو صفةً، أو مخرجًا وَصفةً. فأما الذي يكون بين صوتين مُتباعدين ؛ فيُسمُّونه (تعاقُبًا) و(مُعاقبةً) ([25]) . ويُعَدُّ الاختلاف بين اللَّهجات والتَّطوُّر الصَّوتي لبعض الأصوات العربية، إضافةً إلى قوانين التماثل والاختلاف الصوتيين؛ أهمَّ روافد هذه الظاهرة الصوتية.
أنواعه : الإبدالُ قِسْمان :
أ/الإبْدال الشائع : اختُلِف في عدد حروفه؛ فقيل: ثمانيةُ أحرُفٍ تجمعها عبارة (طويت دائماً) ، وقيل : تسعةٌ مجموعةٌ في قولك : (هَدأْتَ مُوطِياً) ، وقيل : أحد عشر حرفًا، بزيادة الجيم والنون، مجموعةٌ في : (وَجَد آمِنٌ طِيَّتة) ([26]) . وأكثر الصرفيين يجعلها اثني عشر حرفاً بزيادة اللام، ويجمعها في قولهم: (طال يوم اتخذته) ([27]) .
ب/الإبدال النادر : يكون في سَبْعَة أحْرُفٍ، مَجْمُوعَةٍ في أوائل قَوْلِكَ : (قَدْ خَابَ ذُو ظُلْمٍ ضَاعَ حِلْمُه غَيَّاً) ؛ أي : القاف، والخاء، والحاء، والغين، والذال، والظاء والضاد ([28]) . فصوت الضاد إذن يندُر إبداله في الكلم العربي، وقد وقفت عليه مُبدَلاً من سبعة أصوات هي : الظاء، الذال، اللام، الدال، الزاي، الصاد، الياء.
1- إبدال الضاد ظاء : روى ابن خَلِّكان «أنَّ ابن الأعرابي (ت231 هـ) كان يقول : جائزٌ في كلام العرب أن يُعاقِبُوا بين الضَّاد والظَّاء ، فلا يُخطَّأُ من يجعل هذه في موضع هذه . ويُنشِدُ : إلى الله أشكو من خليل أوَدُّه ثلاثَ خِلال كلها لي غائض بالضاد (بَدَل غائظ) ، ويقول : هكذا سمعته من فُصحَاءِ العرب» ([29]) . وينفي ابن جني أن يكون ذلك من باب المعاقبة ؛ ويُجيب عن هذا البيت بقوله: «ويجوز عندي أن يكون غائض غير بدل ، ولكنه من غاضه : أي أنقصه ، فيكون معناه : أي ينقصُني ويتهَضَّمني» ([30]) ، وهذا التَّأويل من ابن جني جاء بِناءً على الأصل الذي أصَّلَه، كما سيأتي . ويُؤَيِّد ما ذكره ابن الأعرابي ما حَكَاهُ الْفَرَّاء عَنْ الْمُفَضَّل الضَّبي (ت168هـ) قال: «من العرب مَن يُبدِل الظاء ضاداً، ويقول: قد اشتكى ضَهْرِي، ومنهم من يُبدل الضَّاد ظَاءً، فيقول : قد عَظَّتِ الحربُ بني تميم» ([31]) . ومما وقع فيه الإبدال أيضًا الحَضَل والحَظَل ؛ وهو : فَسادٌ يَلحَق أُصول سَعَف النَّخل ([32]) . فإبدال الضاد ظاءً حيثما وقعت لُغَةٌ لبعض العرب، لا يُمكن إنكارُها .
2- إبدال الضاد صادًا : يُقال : (مَضمَض لِسانه) و(مَصمَصَهُ) إذا حرَّكَه ويرفض ابن جني هنا أيضا أن تكون الصاد بدلاً من الصاد ؛ ويُعَلِّلُ رفضه بقوله: «ليست الصاد أخت الضاد فتُبدلَ منها. وأخبرني أبو علي يرفعه إلى الأصمعي قال : حدثنا عيسى بن عمر قال : سألت ذا الرِّمَّةِ عن النضناض، فأخرج لسانه فحرَّكَه وأنشد : تبيت الحية النضناض منه مـكـان الـحـب يسـتمـع السرارا([33]) وعلى فرَض التّسليم لابن جني بانتفاء الإبدال هنا؛ فما جوابه عن قولهم : «فلانٌ ما ينوض بحاجةٍ وما يقدر أن ينوص، أي يتحرك ومنه قوله عز وجل (ولات حين مناصٍ) ([34]) ومناصٌ ومناضٌ واحد. ويقال: أنقاض وأنقاص بمعنى واحد. وقال اللحياني: يقال: تصافوا على الماء وتضافوا. ويقال : صلاصل الماء وضلاضله لبقاياه. وقبضت قبضة وقبصت قبصة. وقال الأصمعي: جاص وجاض أي عدل. وقال اللحياني: يقال إنه لصلّ أصلال وضلّ أضلال. قال: ويقال ضُلّ أضلال. قال أبو بكر بن دريد: يقال للرجل إذا كان داهيةً إنه لصلّ أصلال» ([35]) . فهذه الكلمات وغيرها كُلَّها شاهدةٌ بإبدال الضاد صادًا .
3- إبدال الضاد ذالا : ومن أمثلته النّادرة: نَبَض العرق ينبِض ، ونَبَذَ يَنبُذُ : إذا ضرب ([36]) ، والحُضُذُ والحُضُضُ؛ دَوَاءٌ يُتَّخَذ من أَبوالِ الإِبل ([37]) . وفي بعض اللهجات البدوية التي ما تزال مُتداوَلةً إلى يومنا هذا ، يقع العكس، فيُبدلون الذال ضادًا يقولون : في (يذكرُه) يضجُره ، وفي (ذُخر) ضُخر، وفي (ذِراع) ضِراع ([38]) . وإنما يلجؤون إلى هذا النوع من الإبدال طلبًا للتَّفخيم .
4- إبدال الضاد لاما : من أمثلته : تقيَّض فلان أباه وتقيَّله تقيُّضاً وتقيُّلا : إذا نزع إليه في الشَّبَه ([39]) . و(الْطَجَعْ) في قول الراجز : ................................... مال إلى أرطاةِ حِقْف فالْطَجَعْ قال ابن جني : «فأبدَلَ لام الْطَجَعْ من الضاد، وأقرَّ الطاء بحالها مع اللام ليكون ذلك دليلا على أنها بدل من الضاد» ([40]) . وعلَّل المازني هذا الإبدال بقوله : «إِن بعض العرب يكره الجمع بين حرفين مُطبَقَين؛ فيقول : الْطجع، ويُبدِل مكان الضاد أَقرب الحروف إِليها وهو اللام. وهو نادرٌ» ([41]) . فالعلة هنا هي : المخالفة . وقد يقع العكس؛ فتُبدَل اللام ضادا ؛ كما وقع في (الْطِرادٌ) و(اضْطِرادٌ). قال ابن منظور : «وهو افْتِعالٌ من طِرادِ الخيل وهو عَدْوُها وتتابعها فقلبت تاء الافتعال طاء ثم قلبت الطاء الأَصلية ضاداً» ([42]) . ومثله في قول بعضهم : التقطت النَّوى واشتقطته واضتقطته، ويشرح ابن جني هذا الإبدال بقوله : «فقد يجوز أن تكون الضاد بدلا من الشين في اشتقطته، نعم، ويجوز أن تكون بدلا من اللام في التقطته فيُترك إبدال التاء طاء مع الضاد، ليكون ذلك إيذانا بأنها بدل من اللام أو الشين فتصِحُّ التاء مع الضاد، كما صحَّت مع ما الضاد بَدلٌ منه» ([43]) . وكلامُ ابنِ جِنِّيٍّ هنا مُخالِفٌ لما كان قرَّره قديماً في (سرّ صناعة الإعراب) – الذي جاء تأليفُه لكتاب (الخصائص) بعده، كما صرَّح بذلك هو نفسُه ([44]) - : من أنَّ الضاد : «يكون أصلاً لا بدلاً ولا زائدًا» ([45]) ، وما عارض هذا الأصل، يكون مُؤَوَّلاً. فيبدو أنَّه مع غوصه عميقا في خبايا العربية، أقَرَّ بوقوع الإبدال في الضاد .
5- إبدال الضَّاد دالاً : وهو نادرٌ ، ومن أمثلته لفظة(الحُضُضُ) التي تُنطَق بالضاد وبالدَّال (الحُضُدُ) ([46]) . ولنُدرته أَهمله الجوهريُّ .
6- إبدال الضاد زايا : ومن أمثلته : (أنا على أوفاز) و(على أوفاض)؛ أي : على عجلة ([47]) . 7- إبدال الضاد ياء : كما في قول العَجَّاج يَمدح عمر بن عبيد الله القرشي : تَقَضِّيَ البازِي إذا البازِي كَسَرْ ....................................... قال ابن جني : «هو تفعُّلٌ من الانقضاض وأصله : (تقضُّض) ([48]) . ثم أحاله ما عَرَض من استثقال تكريره إلى لفظ (ق ض ى)»([49]) .فالباعث على الإبدال في هذا المقام هو الاستثقال .
الإحالات :
([1]) انظر : النيرباني، عبد البديع، الجوانب الصوتية في كتب الاحتجاج للقراءات، دار الغوثاني للدراسات القرآنية، سورية، ط1، 2006. ص101.
([2]) ابن الأنباري، عبد الرحمن بن محمد، أسرار العربية. ص358.
([3]) انظر : النيرباني، عبد البديع، الجوانب الصوتية في كتب الاحتجاج للقراءات.ص102.
([4]) انظر : العباسي، عبد الرحيم بن أحمد، معاهد التنصيص على شواهد التلخيص، تح: محمد محيي الدين عبد الحميد، عالم الكتب، لبنان، 1947. ج1ص35.
([5]) سيبويه، عمرو بن عثمان، الكتاب. ج4ص457.
([6]) المصدر نفسه.
([7]) ابن الأنباري، عبد الرحمن بن محمد، أسرار العربية. ص363.
([8]) انظر : سيبويه، عمرو بن عثمان، الكتاب. ج4ص457.
([9])العكبـري، عبد الله بن الحسين، اللباب علل البناء والإعراب، تح: غازي مختار طليمات دار الفكر، سورية، ط1، 1995. ج2ص476.
([10]) سيبويه، عمرو بن عثمان، الكتاب. ج4ص457.
([11]) المصدر نفسه.
([12]) نفسه.
([13]) سيبويه، عمرو بن عثمان، الكتاب.ج4ص457.
([14]) وهي: السعفة أو الشيحة في طرفها نار . انظر : الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تح: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، لبنان، ط4، 1987. ج5ص1971. ([15]) أي : لعلة الاستطالة .
([16]) سيبويه، عمرو بن عثمان، الكتاب. ج4ص457.
([17]) ابن جني، عثمان، سر صناعة الإعراب. ج 1ص214.
([18]) سورة الملك: الآية 15 .
([19])العكبري، عبد الله بن الحسين، اللباب علل البناء والإعراب. ج2ص478.
([20]) المرتضى الزَّبيدي، محمّد بن محمّد، تاج العروس من جواهر القاموس، تح: مجموعة من المحققين، دار الهداية، مصر، د.ت. ج20ص214.
([21]) سورة النور: الآية 62 .
([22]) ابن عادل، عمر بن علي، اللباب في علوم الكتاب ، تح : عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض . دار الكتب العلمية ، لبنان ، 1998 . ج 14ص464 .
([23]) سيبويه، عمرو بن عثمان، الكتاب. ج4ص457.
([24]) انظر : النيرباني، عبد البديع، الجوانب الصوتية في كتب الاحتجاج للقراءات .ص129 .
([25]) انظر : محمد بن السيد حسن، الراموز على الصحاح، تح: محمد علي عبد الكريم الرديني دار أسامة سورية، ط2، 1986. ص17.
([26]) انظر : ابن مالك، محمد بن عبد الله، إيجاز التعريف في علم التصريف. تح: محمد المهدي عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، السعودية، ط1، 2002. ص178.
([27]) انظر : النحوي أبو حيان، محمد بن يوسف،ارتشاف الضرب من لسان العرب. ج1ص255.
([28]) انظر : المرادي، حسن بن قاسم، توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك، تح: عبد الرحمن علي سليمان، دار الفكر العربي، ط1، 2008. ج3ص1562.
([29]) ابن خلكان،أحمد بن محمد، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تح: إحسان عباس، دار صادر، لبنان، ط1، 1971. ج4ص307. ([30]) ابن جني، عثمان، سر صناعة الإعراب. ج1ص215.
([31]) ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب.ج4 ص68.
([32]) انظر : اللغوي أبو الطيب، عبد الواحد بن علي، كتاب الإبدال، تح: عز الدين التنوخي مجمع اللغة العربية، سورية، 1961. ج2ص270.
([33]) ابن جني، عثمان، سر صناعة الإعراب.ج1ص213.
([34]) سورة ص: الآية 3.
([35]) انظر : القالي، إسماعيل بن القاسم، الأمالي في لغة العرب، دار الكتب العلمية، لبنان، د.ط 1978. ج2ص25.
([36]) اللغوي أبو الطيب، عبد الواحد بن علي، كتاب الإبدال. ج2ص216.
([37]) المرتضى الزَّبيدي، محمّد بن محمّد، تاج العروس من جواهر القاموس. ج9ص396.
([38]) عبد القادر عبد الجليل، الدلالة الصوتية والصرفية في لهجة الإقليم الشمالي لمدينة البصرة دار صفاء، الأردن. ط1، 1997. ص39.
([39]) انظر : اللغوي أبو الطيب، عبد الواحد بن علي، كتاب الإبدال. ج2ص277.
([40]) ابن جني، عثمان، الخصائص، تح: محمد علي النجار، عالم الكتب، لبنان، د.ت. ج2 ص350.
([41]) ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب. ج8ص218.
([42]) المصدر نفسه.
([43]) ابن جني، عثمان، الخصائص. ج2ص349.
([44]) المصدر نفسه . ج3ص95.
([45])نفسه.ج1ص213.
([46]) المرتضى الزَّبيدي، محمّد بن محمّد، تاج العروس من جواهر القاموس. ج8ص31.
([47]) انظر : اللغوي أبو الطيب، عبد الواحد بن علي، كتاب الإبدال. ج2ص138.
([48]) ابن جني، عثمان، الخصائص. ج 2ص90. ([49]) ابن جني، عثمان، سر صناعة الإعراب. ج2ص759.
ما إنْ تفتح عينيك على هذه الحياة حتى تبدأ ساعة وجودك الفيزيائي على الأرض بالعمل، بل وحتى بعد تعطل مركبك المادي “الجسد”، فإن ساعة وجودك ما تزال تعمل إلى “الوقت” الذي تتوقف فيه تماما عن مسايرتك روحًا بعد أن توقفت عن مسايرتك جسدًا. مما يعني أن الشيء الثابت في كل متغيراتك في هذا الوجود هو “الزمن”، بل أن ما بعد الأرض وهو يوم القيامة يتغير الزمن ويتمدد بطريقة غريبة بخلاف ما نعهده الآن، من ناحية الوقوف في المحشر كما وردت في النصوص المقدسة في الدين الإسلامي. وللزمن طبيعة مختلفة لما بعد يوم القيامة، حيث يكون القياس مختلفًا وكبيًرا، فاليوم حينذاك يتخذ “قالبًا زمنيًا” واسعاً، “وإن يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدون”. وهناك “الخلود” الذي لا يسري الزمن في معادلته للمؤمنين الخالدين في الجنة والكافرين في النار. فالزمن مع تغيره المستمر إلا أنه الثابت فيه هو وجوده ، وبالتالي تكون محاولة التعمق في فهمه ومعرفة ميكانيكته وآلياته لا تقل أهمية عن فهم الوجود وطبيعة الأشياء المحيطة بنا، فضلاً عن وجوده الذي لا ينفك من بدأ تكونّه في بداية الخلق إلى ما لا نهاية. ورجوعًا إلى الحياة الدنيا ومحاولة الفهم العميق للزمن، نرى أن التدبر في معرفته مهمة
يلاحظ المرء غياب الرؤية الواضحة من حياة المسلمين عامة وشبابهم خاصة، بالإضافة إلى عدم امتلاك منهجية محددة للحياة، وكثيرًا ما تكون الأهداف التي نسعى إليها غير محددة المعالم، ولو أنك التقيت بشاب مسلم لا على التعيين ـ ونريد أن نشير مجددًا إلى أننا لا نعمم، لكن نزعم أن هذا التوصيف ينطبق على كثير من الشباب ـ أربع مرات خلال الشهر الواحد بمعدل مرة كل أسبوع لأمكنك ملاحظة أن هذا الشاب قد غير قناعاته وفهمه لكثير من المسائل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وبالعكس، والأمر لا يشمل فقط المسائل الدينية، بل كذلك مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية المطروحة للنقاش، فهناك مزاجية وعاطفية واضحة في تناول المشاكل المطروحة للمعالجة، وربما تكون هذه المعالجة العاطفية للمسائل وضمور النزعة العقلية في حياة المسلم إنما هي انعكاس لشكل التربية الاجتماعية
لم يزل المسلمون يتذكرون بكاء عمر -رضي الله عنه- عندما أنزل الله تعالى على النبي -صلى الله عليه وسلم- في يوم عرفة الذي وافق يوم جمعة، قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [1]. قَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا يُبْكِيكَ؟" قَالَ: أَبْكَانِي أَنَّا كُنَّا فِي زِيَادَةٍ مِنْ دِينِنَا، فَأَمَّا إِذْ كَمُلَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ شَيْءٌ إِلَّا نَقَصَ! فَقَالَ: "صَدَقَتْ". وكأنه رضي الله عنه توقع موت النبي -صلى الله عليه وسلم- قريبًا. قال جابر رضي الله عنه: رأيتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: "لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلِّي لا أحُجُّ بعد حجتي هذه"[2]. وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "وقف النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر بين الجمرات...
راحَ يَخُبُّ قُربيَ مُتقافِزًا كَعُصفورٍ مُستَثار، كَهُندُباء طوّحَتْ بِها الريحُ فَطافَتْ حُرّةً في نسيم الأصيل المُحم، رَميتُ بالصَحيفَةِ جانِبًا كيما أُطلِقَ لِذِراعيّ السَراحَ لِتُطوّقانِ ذلكَ الكائِن الضاجّ تلقائيّة وَمُشاكَسة، رَفَعَ غُرّة شَعرِه الكُستَنائي لِتُشرِق أمامَ خَريفِ تَجاعيدي تِلك العُيون الاستوائيّة. غَرَقتُ للحظتينِ في مُقلَتينِ كَبِركَتينِ مِنْ عَسَل، نَثَرَ في حِجْري عُلبَةَ ألوانِهِ وألعابِهِ كما تَنثُرُ شَجَرَةُ قيقَبٍ أوراقَها القُرمُزيّة، بارتِعاشِ البَلابل المُبتَلّة، ثُمَّ شَحَنَ سِلاحَ براءَتَهُ بِتلكَ الذَخيرةِ الشَديدةِ التَعبير مُطلِقًا نَحوَ أسايَ ابتِسامَةً مِن ذلكَ النوعِ الذي لا قِبلَ لإنسانٍ بِهِ، فَكيفَ بأبْ؟ مَنْ مِنّا شعرَ يومًا أن ضفتي العُمُرِ تُجسرهُما ابتِسامة، مُجرّدُ ابتِسامة؟
الصفحة 80 من 432