إذا أراد الإنسان أن يصاب بارتفاع الضغط أو الجلطة فليس عليه سوى أن يحدق في التلفاز طوال اليوم، فقد أصبحت متابعة الأخبار في المحطات الفضائية مشكلة حقيقية، لا نرى سوى القتل والدمار، والمذابح، والحرائق والزلازل والعواصف. صار العالم مسرحا للعنف والشراسة، يتبارى البشر فيما بينهم من هو الأكثر وحشية، تعجز الحيوانات الكاسرة عن مجاراة البشر في هذه المباراة المرعبة.
1-الزعماء يغيرون الجغرافيا:
هربْتُ من السجن، حينما عبرتُ النفق الذي يمتد أربعة عشر متراً تحت الأسوار.
تخيّلتُ صديقي الناصري صبري عبده حينما يصحو ويكتشف هروبي، فيصرخ في أقرب جارٍ له في السجن:
ـ عثمان خائب وغرير .. لماذا هرب؟ .. سيجيئون به من تحت الأرض .. ويعذبونه!!
أتخيله يلحق بي، ويصرخ:
ـ لماذا هربتَ من السجن؟
ويحاول أن يشدني ليرجعني إلى السجن رأفةً بي وخوفاً عليَّ، فأوشك أن أفتك به.
جنزير يقترب من الأجساد الثلاثة فيلامس الموت الروح لتسارع الحناجر مطلقةً صرخاتها اللاهثة .
الدبابة تجوب شوارع المدينة فهي عبارة عن بناء فولاذي ضخم مؤلف من عدة طبقات يطل ساكنوها عبر نوافذ عدة فيما زرعت جدرانها المختلفة بالموت.
1- كريستوفر كولمبس ..
ما زلت أذكره جيداً حين عاد من رحلاته البحرية ، وقد سبقته الأنباء عن اكتشافه القارة الجديدة – في ذلك الوقت – دخل في أول حانة في طريقه ، جلس بين الرجال وهم يجرعون الكؤوس ، اصطدمت أذناه بصوت مترنح يقول :
- ماذا فعل كولمبس ! سوى أنه أبحر غرباً في امتداد المحيط حتى وصل إلي اليابسة .
عندها ابتسم باستخفاف ، ألقى الكأس من يده ، فانتبه إليه كل من في الحانة ، طلب من النادل بيضة ، وقال مستفهماً :
- من منكم يستطيع أن يوقف البيضة على أحد طرفيها ؟
ضحك الجميع ، حاول كل منهم أن يفعل ما بدا لهم سهلاً وبسيطاً دون جدوى ، حتى ارتسمت الدهشة على وجوههم .
أخذ كولمبس البيضة وضربها من طرفها المدبب في طاولة المنضدة ، فتهشم الطرف ، وقفت البيضة ثابتة .. فبهتوا وهم يوارون خجلهم بين الكؤوس ..
.. حقاً ماذا لو لم يبحر إليها أحد حتى الآن ؟!
منذ أربع سنوات جرى تعيين عدد من حملة الشهادات الإعدادية والثانوية والجامعية في بعض المؤسسات وفق نظام مؤقت معمول به يسمى التعيين (عالفاتورة)، بعد ستة أشهر انتقل بعض العاملين إلى نظام (العقد)،، وبعد عام وبضعة أشهر، انتقل آخرون إلى جدول العقود.
لم أكن أعلم مدى جاذبية الاستبداد حتى جرّبته .
كنت أعاني من حالة الديمقراطية الشائعة في البيت ، فأتلقّى الشكاوى بصدر رحب ، وأكظم غيظي حتى عندما يقدم الأولاد شكواهم فأحتاج إلى كثير من الصبر والوقت كي أقدم لهم حججاً مقبولة تفسّر أسباب توجيهاتي لهم.
وإذا تخاصم الابنان ، كان عليّ أن أترك أعمالي وأصغي إلى وجهة نظر كل منهما لأحكم بالعدل بينهما ، فألوم المخطئ وأعيد الحق إلى المظلوم .
صمود
صباح جديد تكمل فيه الحاجة هادية عاماً ينقضي وهي في أزهى خريف العمر، فهذا الجمال كالسماء لا يعكر زرقتها غبار الرماد، من هنا عبرت عساكر الجيش التركي على الخيل الأصيلة، نفس الدرب عبرته ناقلات جنود الجيوش البريطانية، ووطأت حوافر خيل فرسان الجيوش العربية نفس الدرب، أما الحاجة هادية فلم يهز كيانها زلزلة الأرض بمجنزرات الغزاة تحاصر حلمها.