نزهة
غسل وجهه وعلق ابتسامة على وجه الصباح ، وقصد باب الله .
ما تزال في ذهنه أوجاع تطفو على قسمات الوجه الحليق ، بعد أن فقد طوال سنتي الانتفاضة عمله ، وارتعاشات الشفاه ، عندما كانت زوجته منى تساهر المساء لتنوم الصغار ، تهدهدهم بأغنيات حزينة ذابلة ثم تتوسد ذراعها بعد ان أخذ منه التعب كل مأخذ .
وقبل ان يعود في المساء باغته جندي طالبا بطاقته مخاطبا إياه :-
- أنت مطلوب يا حسن .
صوت من الخلف
- ستذهب معنا قي نزه .
كانَ يَسعى..
هل سَبَقَ و أن رأيتَ أحدُهُم يَسعى! أحدُهُم يَسْعى لأنّه يتكبّدُ نضحَ زفير لطاقةٍ مُسيّرة تُختزلُ في لحمِهِ المَلبوس.
كانَ واحداً يَسعى..
و ذابَت نظّارته من حرارة الشّمس المُعلّقة في المَسْعى، و ساحَت جلدةُ قدمهِ من تكرار الاحتِكاكِ مع قشرةِ أرضِ لم يجد غيرَها، و انتفخَت أحشاءُهُ من ناحيةِ البَطن لتعفّن بكتِيريا لمْ تجد ما تقتات عليهِ حتّى انفجرَت كلُعْبةٍ تُفاجئُ الأطفال
( 1 )
-ما بال العصافير .. لا تنام !!
لا زالت توارى خجلها ، كلما رأتني أزنُّ في رأسها ، حتى قالت :
-حرية إلي أين ؟
فقلت :
-حرية إليَّ .
وضحكنا عالياً رغم الحمرة التي خضبت وجهينا .
انتابتني الرغبة للوصول إلي حل نهائي تجاه المشكلة التي اعترضتنا بالأمس ، لابد أن أحدثها الآن بالتليفون ، أوضح وجهة نظري وإصراري على رأيي . تحركت ببطء ، رفعت السماعة ، طلبتها وانتظرت :
- هل أراكِ اليوم ؟
- طبعـًا لا .
أردفت قائـلاً بعد فترة صمت خاطفة :
- ربما في الأسبوع القادم !
وضعت السماعة دون تفاصيل أو تحديد موعد ، أغلقت النافذة ، وأنا لا أدرى بما يدور في رأسي سوى الرغبة في الخروج من صندوق القلق ، وكل شئ يحيط به . فتحت الباب ، نزلت إلي الشارع .
تلقفني وجه الشمس الحار ، زاد من توتري ما لفظه في وجهي من عرق . أخرجت منديلاً ورقيـًا ، جففت عرقي ، أطبقت عليه بإصابعي ، تخلصت منه في أول صندوق مثبت على عمود الكهرباء .
كنتُ أظنُّ المستنقعاتِ ضحلةً عندما أردتُ وصفَه بالضَّحالةِ، لكني تذكَّرت كيف يغوص فيها مستكشفوها، فابتعدت عن هذا التشبيه لأنني ما عدت أراه عميقاً ، و أكره محاذاته فكيف الخوض فيه!
كبرت بعيني كلمة ضحلٍ ، بعد أن كانت قميئة كوصفها ، والسبب أنني فكرت فيها ملياً قبل وصمها بذاك الشخص!.
حكيت ل ( كلارك) كل ما حدث فنصحني بألا أثق في امرأة في الأربعين ترتدي بيجامة قرمزية. لا أعرف لماذا بدت لي نصيحته ذات أهمية، ربما لأنه الوحيد الذي أحادثه في برشلونة . وضع كلارك آخر كأس في آلة التنظيف ثم التفت إلي و واصل : و لا في امرأة لا تبتسم أبدا .
ابتسمت له دلالة على أنني قد فهمت و لا داعي لمواصلة نصائحه لأنني لن أثق في أية امرأة بعد الآن لو وضعت نصائحه حلقة في أذني كما يطلب مني دائما و هو يرفع حاجبيه و يلوح بسبابته موحيا بالحكمة التي لا نهاية لها. -
دبّ الرعب الشديد في قلوب طالبات ثانوية البنات ، أثناء محاضرة عن عذاب القبر الذي يلقاه كل ميت ، سواء كفر أم كان كمن اهتز لموته قبر الرحمن( إشارة للصحابي الجليل سعد بن معاذ) كما جاء في محاضرة الإشراف (التربوي!) مما أدى إلى تساقط بعض الطالبات ، مغمى عليهن من شدة التصوير و الإرهاب النفسي الذي تعرضن له.
رغم ذلك لم تتوقف المحاضرة ، واستمر تصوير شكل منكر ونكير (المرعبين) في حين تتناوب المعلمات والطالبات في نقل المغمى عليهن إلى فسحة المدرسة . و مما جاء بوصف الملاكين أن السن الواحد فقط في فم أيهما يزيد حجمه عن حجم جبل ، فويل للمرء من ذلك اليوم المحتوم!!!