اللحظة "المدنية" ووفق سياق تاريخي متطور، هي لحظة بناء سلطة " مضادة " سلطة ثائرة. فمؤسسات المجتمع المدني وبحكم غاياتها النبيلة والهادفة، تلف في طياتها ومند غابر الأزمان، عناصر إيجابية، تجعلها بحق، حاملة لواء التغيير ومشعل التطوير، وتمكنها من الرفع من عوامل نجاح التفكير الجمعي والتدبير الجماعي للمشاكل المطروحة، كل ذلك في إطار رؤية موحدة لكل فئات الشعب ولكل الفضاءات الإجتماعية التي يمثلها.
مرارة الوداع لا يلطفها إلا أمل اللقاء، ثم جود الأيام بنعمة النسيان. تفارق أحدًا في بلدتك أسابيعًا وربما أشهرًا ولا تحس ألمًا كالذي تحسه عند وداع مسافر.
الفرق بين الحالين هو أنك تودع المسافر وتعيش آخر لحظة معه وتعلم بغيبته بينما لا تودع ساكن بلدتك فلا تحس بفراقه مهما طال! كأن البعد يهوّله أو يهوّنه مقدار الشعور واستحضاره وليس مقدار المسافة والزمن. وإذا أحس المرء عند موت عزيز له إحساسه عند توديع مسافر إلى مكان أفضل وإلى رفيق أفضل، أو لنقل بتعبير أقرب لنفوسنا الضعيفة: إذا حاول الانسان واستطاع تخيل ذلك، أفلا يكون أهدأ حالا مما سيكون بشعور كآبة قد تكون مزمنة؟
لم أكن ألقي بالاً لذلك المدعو "مالك بارودي" لا لشخصه ولا لما يكتب، رغم أنه أحد كتاب الحوار المتمدن الذي أكتب فيه أيضًا؛ فمنذ أن طالعت عناوين مقالاته ثم مروري على سطورها سريعًا، وأنا أحسه واحدًا من صبيان الإلحاد، تفارق أفكاره العلمية؛ كما يفارق حواره التمدن؛ فما يخرج منه سوي قيح الحقد، وفحيح غضب مُر يخص به الإسلام وحده، وكأنه مأجور على هذا..مدفوع له الأجر، ولاينتظر الأجر من الله الذي لايعتقد بوجوده.
أصابتني الدهشة اليوم وأنا أطالع الأخبار صباحًا... ولم تكن هذه المرة نتيجة لخبر انفجار هنا أو نحر مجموعة جديدة من البشر هناك... وإنما كان سببها أن العالم اليوم أصبح يضم 1826 مليارديرًا بزيادة قدرها 181 مليارديرًا عن العام السابق فقط، على رأسهم بيل غيتس مؤسس ميكروسوفت بثروة مقدارها 79 مليار دولار، ومن بينهم مارك زوكربيرج مؤسس فيس بوك بثروة مقدارها 34 مليار دولار، بحسب البي بي سي.
يا الله! ماذا لو وُجه جزء يسير من هذه الثروات الضخمة لحل مشاكل العالم التي تئن منها الشعوب والتي على رأسها مشكلة الفقر؟
ولماذا على رأسها مشكلة الفقر؟
لأن الفقر يا عزيزي يؤدي بدوره إلى الجوع، والجوع بحسب برنامج الأغذية العالمي ضحاياه يفوقون أعداد ضحايا ثلاثة أمراض مجتمعة، هي الإيدز والسل والملاريا.
ماذا لو وُجدت رابطة خيرية بين هؤلاء المليارديرات لإنقاذ هذه الملايين من البشر التي تتضور جوعًا والتي تبيت الليالي الطوال خاوية البطون؟ وبالتأكيد من بينهم الأم المرضع، والطفل الضعيف، والمسنّ الهرِم، والمعوق العاجز.
ماذا لو فكر المسلمون الموجودون في قائمة أولئك المليارديرات في التخفيف من هذه المعاناة؟ ماذا وماذا وماذا؟
شهدت بلدان أوروبا الغربية خلال القرن الثامن عشر نهضة علمية شاملة؛ فتنوعت الأبحاث والتجارب لتشمل مختلف فروع العلم، ولتؤدي إلى اختراعات واكتشافات مهمة كانت السبب المباشر في قيام الثورة الصناعية خلال القرن التاسع عشر. وهي ثورة كان لها الأثر البالغ على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية سواء أفي أوروبا أم خارجها.
واحتدم التنافس بين الدول الصناعية للسيطرة على مصادر المواد الخام والأسواق الخارجية؛ مما نتج عنه تفاقم الاستعمار وانقسام العالم إلى جزأين؛ جزء مهيمن تمثله البلدان الصناعية وجزء مستغل تمثله بلدان أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية.
أما بالنسبة إلى الجانب الثقافي فقد رافقت الثورة الصناعية انتعاشة ثقافية كبيرة كان من ثمارها الإيمان بقدرة العقل البشري وبأهمية العلم والتقدم، وقد نشطت الحياة الثقافية عبر مراكزها التي انتشرت في كل مكان من أوروبا. وأثرت الحضارة الغربية على حياة الفرد الذي أخذ ينهل مما توفر له من أسباب التعلم والثقافة؛ فأسهم ذلك في رفع مستوى الوعي.
إن القارئ للتاريخ يعرف بأنه في الحقيقة ليس هناك قوانين تحكم التاريخ؛ إلا قانونًا واحدًا وهو قانون العناية الإلهية، ولأنني أكتب الكتب الممنوعة من النشر في بلدي الجزائر، ولا توجد دار نشر واحدة ـ حسب علمي ـ قبلت نشر عمل من أعمالي، أو حتى قصة قصيرة، فأنا بالنسبة لهم (ابن حداد) وأبناء الحدادين مشهورون في التاريخ بأنهم يسبّبون المشاكل، وقد يصلون للحكم. والأمر الثاني أنني من طبقة المواطنين؛ لأنه في الجزائر ـ للأسف ـ عرفتُ نظام الطبقات، مثل الممالك القديمة، لكن في الجزائر هناك طبقتين: طبقة الحكوميين، وهم الذين يحكمون البلد ويسيطرون على كل شيء، ويحتكرون السلطة والثروة، مخالفين المقولة التي قالها المفكر راسل: (الديمقراطية هي العدل في توزيع السلطة والثروة) والحقيقة هم يتجاوزون مليون جزائري يمتلكون حسابًا بريديًّا تصب فيه رواتبهم كل شهر؛ لهذا فهؤلاء أغلبهم ينتمون إلى حزب جبهة التحرير الوطني لكن ليس هذا الحزب ورث التسمية من الجزائرين الذين كافحوا الاستعمار الفرنسي لهذا تجد كلمة جبهة التحرير، ولا بأس أن نقول بأنه الآن تحوّل إلى شبه نادٍ للراغبين في الوصول إلى السلطة من الحكوميين. أما الطبقة التي أنتمي إليها أنا وأغلب الجزائرين هي طبقة المواطنين الذي لا يمتلكون حسابًا بريديًّا ولا يتلقون رواتب من الحكومة هؤلاء هم في الحقيقة ـ إن لم أظلمهم ـ هم شعب الجزائر الحقيقي،
الصفحة 55 من 432