إن أي مختص ومعنى بالإستراتيجية الحديثة يعي تمامًا أن هناك تدافعًا مفاهيميًا كبيرًا موجود في حقل الإستراتيجية العام، هذا التدافع المفاهيمي أدى بدوره إلى خلط الأوراق مع بعضها، وتشويه جوهر الإستراتيجية وروحها، وجعلها تغرق في محيط كبير من المفاهيم التي شوهت السمة الروحية لها، وهذا الأمر الذي جعلني أكتب هذه الرؤية التحليلية للإستراتيجية والفهم الخاطئ لها بدلالة التخطيط.
يكشف المنهج الجينالوجي-الحفري لأعمال الفيلسوف الألماني هيغل (1770-1831)م عن المسكوت عنه في عمق فلسفته بطريقة لا شعورية يدفع كل أطروحاته الفلسفية، كما يكشف تمركزا ابستيميا يشكل نموذجا للعنف الثقافي الذي يمارس فعالياته العميقة في إظهار هوية الغرب الذي شحن نفسه بمقومات تاريخية ودينية وعرقية، واختزل العالم غير الأوروبي إلى مجموعة أنماط حياتية واقتصادية غير واعية ومتعثرة وساكنة واستبدادية، ومفتقرة لقوة الاستكشاف والتحليل والاستنتاج.
إنَّ الواقع المأساوي الذي ساد في العراق في ظل الاحتلال وعبث الجماعات المسلحة ذات التوجهات الدينية المزعومة أو السياسية الملغومة، جعله يعيش وضعًا مفعمًا بالصعوبات والتعقيد، وبعيد الأثر السلبي في مجالات الحياة جميعًا، وهو وضع غني بالأحداث، وكفيل بتوفير المواد التي تصلح للإبداع في فنون التعبير، لو تهيَّأت وسائل الإنتاج للمبدعين. وتأتي مسرحية "أمراء الجحيم" لتشكل ملمحًا مهمًا من ملامح الإبداع في هذه المرحلة من مراحل تاريخ العراق الحديث، ولتسجِّل بجرأة واضحة أهم ما يمكن تسجيله من المسببات التي تعبث بمقدرات هذا الوطن الجريح، دون أن تعبأ بالنتائج، فهي أوضح مِن أنْ يعتني بها عمل فني قصير ومركَّز كـ"أمراء الجحيم".
نابلس مدينة قديمة بناها الكنعانيون، وهم من القبائل العربية القديمة منذ 4000 سنة، كانت تسمى "شكيم" وتعني النجد، أو الأرض المرتفعة. احتلها الرومان الذين قرروا هدمها وإعادة بنائها على النمط الروماني في عهد الإمبراطور "فسبسيانوس" الذي أطلق عليها اسم (فلافيا نيا بوليس). فلافيا هو اسم عائلة الإمبراطور "فسبسيانوس". أصبح اسم المدينة يعني (مدينة فلافيا الجديدة)، مع الأيام بقي من اسمها نيا بوليس (المدينة الجديدة) والذي حُرّف فأصبح نابلس.
في العام 638 ميلادية، فتح المسلمون مدينة نابلس على يدي القائد الإسلامي الكبير عمرو بن العاص، وذلك في عهد خلافة أول الخلفاء الراشدين أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-.
كما هو معروف فإن طبيعة الهيكلية الدولية تحولت وانتقلت من حالة التعددية القطبية إلى حالة القطبية الثنائية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ودخل العالم في فترة تقارب 45 عامًا من حالة القطبية الثنائية بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، وبذلك دخل القطبان حالة من حالات الصراع المستدام الذي كان يطلق عليه في تلك الفترة بالحرب الباردة، ومن ثم حدث تطور هام جدّا في طبيعة الهيكلة الدولية بحلول العقد الأخير من القرن المنصرم، وهو تفكك الاتحاد السوفيتي وانتقال الهيكلية الدولية إلى نظام أحادي القطبية.
هيمنت الولايات المتحدة الأمريكية منذ تلك الفترة حتى الآن -رسميًّا- على هرم القطبية الأحادية، على الرغم من أن معالم الهيكلية الدولية الحالية مشوهة وغير واضحة، بحيث يمكننا أن نتلمس ذلك من خلال أهم القطاعات التي ترتكز عليها الدول وهي القطاع العسكري والاقتصادي، وقدر تعلق الأمر بالقطاع العسكري فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعد عسكريًّا ذات هيمنة على العالم بحيث أن أقرب منافسيها وهي الصين وروسيا مجتمعتان لا يمكنهما الوقوف في وجه الترسانة العسكرية الهائلة للولايات المتحدة، ونستنتج هذا من إحصائيات تاريخية للإنفاق العسكري، ففي عام 1945 شكّل الإنفاق على الدفاع حوالي 90% من إجمالي الإنفاق العام الأمريكي ومن ثم تعرض هذا الرقم إلى تراجع وتقدم في فترة الحرب الباردة والحرب الكورية وحرب فيتنام وما بعدها، وذلك بحسب طبيعة احتدام الصراع والتنافس الدوليّ مع جميع المنافسين وليس الاتحاد السوفيتي فقط، ويلاحظ ان نسبة الإنفاق العسكري إلى إجمالي الإنفاق العام ظلت في تراجع مستمر حتى بلغت 16.1% فقط من إجمالي الإنفاق العام في عام 1999.
بدايةً، إن الحديث عن الأهداف الإستراتيجية يحتاج إلى رؤية معمقة وقدرة فكرية عالية ومتخصصة في طبيعة الإستراتيجية نفسها؛ لأن صناعة الأهداف الإستراتيجية ليست بالعملية الهينة إطلاقًا وتعد من الأمور التي هي في غاية الصعوبة بمحل؛ بسبب كونها مرتبطة بمصير الأمم والشعوب وبقاء الدول واستمراريتها، وإن التقديرات الخطأ من قبل صانع الهدف أو مكونه قد تودي بالدول إلى مآزق وأزمات حادة وحرجة تجعلها تستنزف كل طاقاتها وإمكانياتها في سبيل تحقيق هذا الهدف أو حتى إبقاء الوضع على ما هو عليه إذا ما تعرض هذا الهدف إلى التقويض والفشل في التنفيذ. وإذا ما أردنا أن نضع عملية صناعة الأهداف في أي مفصل من مفاصل الإستراتيجية، لوضعنا عملية صناعة الأهداف في بطون وحواضن الفكر الإستراتيجي؛ لأن الفكر الإستراتيجي هو المسؤول الأول والرئيسي عن بناء وخلق وتخليق(*) الأهداف من خلال تطوير الأفكار وتقليمها وصوغها في شكل مشاريع ونظريات متعلقة بالبيئة الإستراتيجية، هذا من جانب، أما فيما يخص حقل التحليل والتخطيط والأداء الإستراتيجي فإنها أقرب إلى عملية تقييم وتقويم الأهداف أكثر من صناعتها وتكوينها، وهذا لا يعني أننا ننفي أهمية هذه الحقول، بل على العكس من ذلك تعد هذه الحقول -وكما يعلم الجميع- أسس العملية الإستراتيجية وأهم مراحلها .
الصفحة 96 من 432