كل عام وأنتم بخير وعيد مبارك وسعيد على الجميع.
كلُّ ما يعْرف عن المتنبي تلك الولادةُ البائسةُ في أسرةٍ فقيرة نبت فيها، وترعْرَعَ في الفقر دون أن ينقطع رجاءُ الأملِ والطموح، فإذا به يحمِلُ على كتفه همومَ الواقع المرِّ ويأمَلُ بالهدفِ المنشودِ، يحدوه الأمل وتحيط به إرادةٌ وعزيمة صلْبة.
إنَّ سرَّ مكانة المتنبي يكمن في تلك الروح الوثابة والنفس الأبية التي رضعتِ العظمةَ وحبَّ المجد ، وسَعَتْ إلى الرفعةِ، فوجدت ضالَّتها في شخص سيف الدولة الحمداني حامي حصون العرب ودافع كيد الروم، فالدخول إلى عالم المتنبي بحرٌ متلاطِمُ الأمواج عميق الأغوار، لا نستطيع الغورَ فيه إلا بمعرفة أسرارِ شعره والتعمُّقِ في معانيه وفهم المرادِ منه، فأشعاره ترسم صورةً عن شخصيته وتبرز حكمته وموقفه من الحياة والناس، فالشعر مرآة لصاحبه ومرآةٌ للعصرِ، وشعر المتنبي يرسم أبعادَ شخصيته وهذا ما يهمُّنا ونسعى إليه.
لا تُخْفى الحقيقةُ عن أحدٍ بأن شخصية المتنبي كإنسان وسلوكٍ وحكمَته متلاحمتان دون انفصام، فنادرًا ما نجد بيتًا من حكمه دون أن يدلَّ على سلوكه الشخصي ومبدئه في الحياة. لقد رسم المتنبي أبعادَ شخصيته من خلال معايشته للناس وخبرته في الحياة، فإذا به يستنبط نظراتٍ ومواقفَ خاصةً في حياته. أليس هو القائلُ في الذي تطبَّعَ على الأذى والكره:
ومن يكُ ذا فمٍ مُرٍّ مريضٍ * يجدْ مرًَّا بهِ الماءَ الزلالا
قال الرسول محمد عليه أفضل الصلاة والسلام: "المسلم من سلم النَّاس من لسانه ويده، والمهاجر من هجر نهى الله عنه"، كما قال عليه الصلاة والسلام: "لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحب لنفسه"، وكذلك قال عليه الصلاة والسلام: "المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وسب هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دماء هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته وهذا من حسناتِه فإن فَنِيَت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار”. فالدين المعاملة؛ والعبادات مهمة، ولكنها تكون بين العبد وربه؛ أما أساس الحياة فهو المعاملات بين الخلائق؛ ومن ثم جاء الدين الإسلامي كسائر الديانات لإصلاح العلاقات بين العبد وربه من جهة، وبين الخلائق بعضهم البعض من جهة أخرى. وجاء الرسول محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ليؤكد على أنه بُعث ليتمم مكارم الأخلاق. والله سبحانه وتعالى قد يغفر للعبد تقصيره وذنوبه مع الله، ولكنه لا يغفر ما يرتكبه من إثم تجاه الناس حتى يسامحوه. فجوهر الدين هو الأخلاق؛ حيث ذكر عليه الصلاة والسلام بأنه من لم يدع قول الزور والعمل فلا حاجة إلى صيامه. كما ذكر بأنه من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمُت، وبأنه من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره.
كل عيد وأنت العيد يا وطني، كيف أناجيك هذا الصباح، بأية لغة أقف في محرابك؟ أمد يدي مصافحًا، لاثمًا جبينك الوضاء، مقبلا يديك الطاهرتين. أنت ما زلت أسيرًا في الأصفاد، تهوي عليك سياط الجلاد آناء الليل وأطراف النهار، لكنك يا وطني لم يقهرك القهر، ولا نالت من عزيمتك الصعاب.
كل عيد وأنت العيد يا وطني، رحلتنا إليك بدأت بك ولا تنتهي إلا بك، أنت حادي ركبنا إلى يوم لا تغيب عنه الحرية، إلى شمس تضيء فضاءاتنا أملًا بغد واعد لأجيال ورثت حبك عن أجيال وأجيال من عشاق الانتماء إلى حماك، ومهما طال المشوار إليك ستظل القافلة تسير وتسير تتحدى العتمة والغربان، تتحدى هذا الليل الباسط ذراعيه على آفاقنا، تطارده بمشاعل التحرر والخلاص حتى ينجلي إلى الأبد.
أنت العيد يا وطني، سلام عليك، سلام على كل ذرة من ترابك الطهور، سلام على أنفاسك وهي تطفئ نيران غربانهم الحاقدة كلما أشعلوها، وكلما أمطروها عليك نزلت بردًا وسلامًا. سلام على شهدائك الأطهار وأسراك الأبرار، وقبلة بلسم على كل جرح يحمله كل عاشق من عشاقك الأخيار. سلام عليك يا وطني، أنت آسر لا أسير، إنهم هم وحدهم أسراك! لن تهنأ لهم حياة ما دمت في القيد يا شامخ الهامة لا تنكسر لك قامة، لن تشرق لهم شمس ما دمت أنت جريح الجسد، حاشا أن تنال الجراح من روحك وكبريائك.
مقدمة:
يقول ألبرت أينشتاين: "إنني أهتم بالمستقبل، لأنني -ببساطة -؛ سوف أذهب إليه"، على هذا الأساس فإن المستقبل بصورته العامة والمجردة، هو من اهتمام الأفراد العاديين من خلال سعيهم إلى تحسين وضعهم دائمًا نحو الأفضل. هذا من جانب، أما من جانبٍ آخر فإن الدراسات المستقبلية بصورتها العلمية تحظى باهتمام كبير جدًّا من قبل المختصين والأكاديميين والمعنيين خصوصًا في عصر التكنولوجيا والمعلوماتية والتطور الهائل الذي يشهده العالم بأسره، لهذا فقد أعددتُ هذه الرؤية التحليلية للمستقبل والدراسات المستقبلية، ولا أعني أني أتيت بشيءٍ جديد بقدر ما أضفت صوتي إلى أصوات الكثيرين من الذين سبقوني في الكتابة لهذا الحقل الأكاديمي، والغرض من ذلك: هو لفت الأذهان لصنَّاع القرار والمسئولين والقائمين على الحكم؛ بضرورة إيلاء اهتمام أكثر بفحوى المستقبل والدراسات المستقبلية، والتي من شأنها أن ترتقي بالأداء المجتمعي للدول كافة، وعلى هذا الأساس فقد تناولتُ في طرحي هذا، النقاطَ التالية:
تنفرد مدينة نابلس (جبل النار) بعادات وتقاليد خاصة بها، أو أنها تتشابه إلى حد ما مع بعض المدن الإسلامية مثل القاهرة ودمشق، وتذكيرًا فقد لقب المؤرخون مدينة نابلس بدمشق الصغرى، ومع ذلك تظل نابلس لها خصوصيتها.
لقد اعتاد النابلسيون على استقبال شهر رمضان المبارك من كل عام هجري بفرح وسرور عظيمين. ولا عجب في ذلك فهو شهر الرحمة والمغفرة، شهر الخيرات والبركات، شهر التوبة من المعاصي والذنوب.
قبل أيام من ثبوت رؤية هلال شهر رمضان المبارك الذي اعتاد المسلمون في كثير من الأقطار الإسلامية أن يحتفلوا به، كان النابلسيون يستعدون لهذه المناسبة الكريمة بما يليق بجلال حلول هذا الشهر المبارك.
عندما نترك بعض الأشياء ونهاجر من الأماكن ونعتزل الأعمال، أو عندما نبتعد عن أناس قريبين منا فهذا لا يعني أننا نكرههم أو مللنا عِشرتهم، أو لا نكنّ لهم في دواخلنا مشاعر الحب والولاء، بل أحيانا يكون الأمر عكسيًّا تمامًا، فمن شدة حبك وتعلّقك بأمر ما صدفة تقرر تركه من باب التغيير ومعايشة التجديد. بالطبع لا أعني بذلك الروابط الإنسانية التي مهما طال الزمان أو قصر يجب أن تتعمق وتزداد محبة وإخاء، لكن حديثي عن الأنشطة والأعمال والعلاقات العملية مع مجموعات ومؤسسات.
كلما نسمع من شخص أنه ترك مجموعة كان يعمل معها أو انفصل عنها، فأول سؤال يبادر إلى أذهاننا: عسى ما شر.. ليش؟ زعلت منهم؟ أو اختلفت معهم؟ ويتوجه العقل بشكل مباشر إلى التحليل السلبي لهذا الابتعاد غير المتوقع، فقد اعتاد مجتمعنا إلى غرس مفهوم (إن لم أكن معك فأنا ضدك أو خصمك)، وهذا مفهوم خطير يقلل من شأن التطوير وتدفق دماء التجديد في عروق الفِرق وشرايين المجموعات، ولهذا أحيانا بل يجب أن يكون غالبًا على المرء أن لا يبخل عن ترك مكانته أو مهامه لإعطاء المجال للآخرين أن يبدعوا ويتألقوا، وقبل ذلك أن يعطي لنفسه فرصة ذهبية لينتقل إلى عوالم أخرى ومسؤوليات أعظم، فالثابت الوحيد في الوجود هو التغيير الذي يحرك عجلة التنمية.
الصفحة 95 من 432